
mohon dikomentari agar lebih hidup
NOMOR SERIAL SOFTWARE
NAMA PROGRAM | NO SERI |
| XP8BF-F8HPF-PY6BX-K24PJ-TWT6M |
| GWH28-DGCMP-PGRC4-6J4MT-3HFDY |
| K6YVY-7733B-8WCKG-KTG64-BC7D8 |
| 1045-0203-3247-2217-3566-6177 |
| DR11CRD-0012082-DGW |
| MV55F17758841285 |
| 5XF9W WE42X ALE3S JDRRY B9J6D 5K4EX |
| KILLA23LX2WC64263VO4 |
| 0699-75574-0570 |
| Name : Pconcool Sn : d68d56d13302a6c4 |
| v21gb - v21gb - 435981 |
| Visit us :http://arcdeville.co.cc N1YD6Q-6JP6QP-2JN2MH-05JJVV-M3Q5T3-APTWNR |
| 1A23-0009-9030-2380-1649-3034 |
| IMEI : 000000000000000 KODE : 27581 |
| 966105362773130541 |
| 4S5DBK-3ZZ7B-MDZ7NZ-4KPGM9N |
| 9NKWG-FNJSG-O1HM0-BQX3N |
| Name: ORiON No : 78811848-189E2A2B-01BA3904-B8F95E6B-32F28254-D8C98762-4FEC5C0C-284196D8 |
سلسلة الدروس العلمية
المرحلة الأولى
إيضاح المقدمة الآجرومية
لفضيلة الشيخ :
صالح بن محمد بن حسن الأسمري
حفظه الله
اعتنى به
متعب بن مسعود الجعيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع السماء بغير عماد ، وخفض الأرض وقدر فيها أقواتها لنفع العباد ، وثبَّتها بنصْب الرواسي والأوتاد ، وجَزَمَ بوحدانيته أهل البغي والإلحاد ، والصلاة والسلام على أفصح من نطق بالضاد ، وعلى آله وصحبه السالكين سبيل الرشاد ، وعلى من ورد مشرعهم ، وترسّم خطاهم إِلى يوم المعاد . أما بعد … (فإن العلم فخرٌ يبقى على مرور الأحقاب ، وذكرٌ يتوارثه الأعقاب بعد الأعقاب ، وأول المجد وآخره ، وباطن الشرف وظاهره ، به يُترقى على كل المراتب ، وبه يتوصل إِلى المآرب والمطالب ، وهو الأربح مرعاه ، وهو الأرفع مسعاه ، يملأ العيون نوراً ، القلوب سروراً ، ويزيد الصدور انشراحاً ، ويفيد الأمور انفساحاً ، ، وهو الغُنْم الأكبر ، والحظ الأوفر ، والبغية العظمى ، والمنية الكبرى)() .
ألا وإن من أجلّ العلوم وأعظمها ، وأشرفها وأهمها : علم العربية إِذْ هي (خير اللغات والألسنة ، والإقبال على تفهمها من الديانة ؛ إِذْ هي أداة العلم ، ومفتاح التفقه في الدين)() .
كما أن (معرفتها ضرورية على أهل الشريعة ؛ إِذْ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة ، وهي بلغة العرب ، ونَقَلَتُها من الصحابة والتابعين عرب ، وشرحُ مشكلاتها من لغاتهم ، فلابد من معرفة العلوم المتعلِّقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة)() .
قال عمر t : ''تعلَّموا العربية فإنها تزيد في المروءة''() .
ولقد كان الصدر الأول من الأمة المحمدية أهل سليقة عربية ، وأصحاب مَلَكة لسانية (فكان اللسان العربي عندهم صحيحاً مَحْروساً لا يتَداخَلُه الخلل ، ولا يتطرَّق إِلَيْهِ الزلل ، إِلى أن فُتِحَت الأمصار ، وخالط العربُ غير جنسهم من الروم والفرس والحبش والنَّبط ، وغيرهم من أنواع الأمم الذين فتح الله على المسلمين بلادهم ، وأفاء عليهم أموالهم ورقابهم ، فاختلطت الفرق ، وامتزجت الألسن ، وتداخلت اللغات ، ونشأ بينهم الأولاد ، فتعلّموا من اللسان العربي ما لابدّ لهم في الخطاب منه ، وحفظوا من اللغة ما لا غنىً لهم في المجاورة عنه ، وتركوا ما عداه لعدم الحاجة إِلَيْهِ وأهملوه لقلة الرغبة في الباحث عليه ، فصار بعد كونه من أهم المعارف مطّرحاً مهجوراً ، وبعد فرضيته اللازمة كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ، وعادت الأيام والحالة هذه على ما فيها من التماسك والثبات ، واستمرت على سنَنٍ من الاستقامة والصلاح ، إِلى أن انقرض عصر الصحابة والشأن قريب ، والقائم بواجب هذا الأمر لقلته غريب ، وجاء التابعون له بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلّوا في الإتقان عدداً واقتفوا هديهم وإن كان مدّوا في البيان يداً ، فما انقضى زمانُهم على إحسانهم إلاّ واللسان العربي قد استحال أعجميّاً أَوْ كاد ، فلا ترى المستقِلّ به والمحافظ عليه إلا الآحاد .
هذا والعصرُ ذلك العصرُ القديم ، والعهدُ ذلك العهدُ الكريم ، فجَهِل الناس من هذا المهمّ ما كان يلزمهم معرفتَهُ ، وأخّروا منه ما كان يجب عليهم تَقْدِمَتُهُ ، واتخذوه وراءهم ظِهْريّاً فصار نَسْياً منْسِياً ، والمشتغل به عندهم بعيداً قصِيّاً ، فلما أعضل الداء وعزَّ الدواء ، ألهم الله U جماعة من أولى المعارف والنُّهى ، وذوي البصائر والحِجى ، أن صرفوا إِلى هذا الشأن طرَفاً من عنايتهم ، وجانباً من رعايتهم ، فشرَّعوا فيه للناس موارداً ، ومهّدوا فيه لهم معاهداً ، حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياع ، وحفظاً لهذا المهم العزيز من الاختلال)() .
ولقد كان النحو والإعراب أهم علوم اللغة ، إِذْ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة .
يقول العلامة ابن خلدون - رحمه الله - ''أن الأهم المقدّم منها هو النحو ، إِذْ به تبيّنت أصول المقاصد بالدلالة ، فيُعَرَّف الفاعل من المفعول ، والمبتدأ من الخبر ، ولولاه لَجُهِل أصل الإفادة''() .
يا حبَّذا النحو من مطلب | تعالى به قد طلابه |
ولما للنحو من أهميّة ، ومكانة عظيمة عليّة ، صنعت فيه التصانيف ، وأُلِّفت فيه التآليف ، فمن مُكثرٍ جعل كتابه أسفاراً ، ومن متوسط غيْثُ فوائده أصبح مدراراً ، ومن موجزٍ كان كتابه أوراقاً .
وكان من بين تلك المتون المختصرة ، والكتب المحرّرة المشتهرة ، كتاب : (الْمُقَدِّمَة الآجرُّومِيَّة) .
ومِن ثَمَّ طفِق العلماء إِلى شرحها وتدريسها ، وكان من أنفس شروحاتها شرح شيخنا المفضل : صالح بن محمد بن حسن الأسمري - حفظه الله - ، فلقد كان شرحاً كافياً وافياً في بابه ، ومورداً صافياً لطلاّبه ، غير مختصر اختصاراً يؤدي إِلى الإخلال ، ولا مطنباً إطناباً يفضي إِلى الإملال ، مشتملاً على الدرر الفرائد ، والغرر من الفوائد الشوارد ، يَحِلّ مبانيها ، ويُوَضّح معانيها ، ويُقَرّر قواعدها ، ويُحرّر مقاصدها ، ويؤيّد ذلك بالأدلة ، ويسهِّله بالشواهد والأمثلة ، ينتفع به المبتدئ ، ولا يستغني عنه المنتهي ، وهو مرحلة وسطى ، تعقبه مرحلة علمية أخرى .
وثَمَّ أمورٌ يجب التنبيه عليها ، ولا مندوحة للراغب عنها ()
وسبب التسمية هو ما اشتهر عند الإخباريين من أن الإمام علياً t قال لأبي الأسود الدؤلي : '' نعم النحو الذي نحوت '' وذلك عندما كتب شيئاً في النحو بأمرٍ منه .
ومن معانيه التغير ، يُقَال : أعربت الإبل إذا تغيرت بطونها بمرض ، وكذلك الحال مع أواخر الكلمات العربية المعربة فإنها تتغير بحسب مواقعها .
وهو تغير أواخر الكلم باختلاف العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً . وهذا هو الأصل ؛ ولأجله صنع النحو ضبطاً له حتى لا يلحن فيه .
وهو لزوم أواخر الكلمة حركة لا تتغير باختلاف العوامل الداخلية عليها .
هو أن علم النحو يبحث في حركة الأخير من الكلم سواء أظهرت أم قُدِّرت ، وأكثر اللحن حصل في ذلك عند العرب ولذا كانت العناية به آكد .
لكي يتفهَّم دارس النحو مسائله ويعرف مفرداته لابد أن يراعي أموراً :
حفظ التعاريف واستحضارها عند محاولة الإعراب لكلمة أو جملة لما لها من أثر .
الاشتغال بمعاني الكلام وجمله ، والنظر في مدى انطباقه على القواعد المعروفة .
مثال ذلك :
هو أن المفعول به يُعَرَّف بأنه : اسم منصوب وقع عليه فعل الفاعل ، فلو قال قائل : ( ضرب الأب ابنه تأديباً له ) لَحُكم على كلمة (ابن) بأنها مفعول به ؛ لأنه هو الذي وقع عليه فعل الفاعل .
هو استحضار التقاسيم والشروط المتعلقة بكل مسألةٍ وباب .
مثاله : ما قيل في الأسماء الخمسة ، فإنها لا تأخذ إعرابها المشهور من الرفع بالواو ، والنصْب بالألف ، والخفض بالياء إلا بشروط ؛ ككونها مكبرة ، وعدم إضافتها لياء الْمُتَكَلِّم وما إلى ذلك . فإذا قال قائل : (إن أبي ذو نسب شريف) لَعُلِم أن كلمة (أبي) لا تُعرَب إعراب الأسماء الستة أو الخمسة ؛ لأنها مضافة إلى ياء الْمُتَكَلِّم .
هو أن الدارس للنحو لن يستطيع أن يعرب الجمل كلها إلا إذا انتهى من دراسة كتب النحو كلها في مرحلة التأصيل، والمعتاد أن آخرها دراسة ألفية ابن مالك ، فمن درس الآجرومية لا يتحصَّل على جميع أبواب النحو فضلاً عن جميع مسائله ، فلابد من استكمال ذلك ، وإنما ابتدئ بالآجرومية فغيرها إلى دراسة ألفية ابن مالك ، مراعاةً للتدرج في التعلّم والبدء بالأولويات ، والبعد عن وقوع قولة السلف : ( من أراد العلم جملة ضيَّعه جملة ) فيدرس طالب النحو أول ما يدرس : كبرى أبوابه ومسائله ، وذلك من خلال [الآجرومية] ثُمَّ يدرس مجمل أبواب النحو ومسائله دون تعرض للخلاف في الجملة ، وذلك من خلال كتاب [شرح قطر الندى] لابن هشام ، ثُمَّ يدرس جميع مسائل النحو وتفصيلاته مع الاطلاع على المخالف وبعض الأعاريب وما إلى ذلك ، وذلك من خلال [شرح الألفية] ، (شرح ابن عقيل) عليها ولَيْسَ بوافٍ ، أو شرح ابن هشام الْمُسَمَّى بـ [أوضح المسالك] .
أن إدراك علم النحو يكون من خلال فقه علومٍ لابد من اجتماعها .
مسائل النحو ومفرداته وهي الموجودة في [الآجرومية] و[شرح قطر الندى وبل الصدى] و[ألفية ابن مالك] .
دراسة علم أصول النحو وهو كعلم أصول الفقه مع الفقه لابد منه ، وفيه القواعد التي روعيت في الإعراب ، وأدلة النحويين وأوجه الدلالة وما إلى ذلك ، وفي ذلك كتاب يتيم ألَّفه الإمام السيوطي اسمه (أصول النحو) وعليه شروحات منها [شرح الأزهري] .
دراسة علم تاريخ النحو ويشمل معرفة مذاهبه ونشأتها وأئمته وكتبه وما إلى ذلك ، وفيه كتب أحسنها : ما صنَّفه محمد طنطاوي من علماء الأزهر واسمه [نشأة النحو] فقد حقق بأخَره .
ولقد كان أصل هذا الشرح المبارك دروساً ألقاها فضيلة شيخنا - حفظه الله - بجامع ابن عواض بالطائف عام 1419هـ ، ثُمَّ كُتِبَت وعُرِضَ مواضع منها على الشيخ نفسه فاستحسنها ، وأذن بطباعتها وإخراجها .
كما لا يفوتني أن أتقدَّم بالشكر أولاً وآخراً للمولى جلَّ وعلا على أن وفقنا لهذا العمل ، وأعاننا على إخراجه ، ثُمَّ أتوجّه بالشكر إِلى فضيلة شيخنا على ما أسداه إِلَيْنَا من علمه ونصحه ، فجزاه الله عنّا خير الجزاء وأطال في عمره على طاعته ونفعنا بعلمه .
كما أتوجّه بالشكر إِلى كل من أعان على إخراج هذا الشرح فجزاهم الله خير الجزاء .
والله أسأل أن ينفع به ، وأن يجزل الأجر والمثوبة لشيخنا ، والله من وراء القصد وهو الهادي إِلى سواء السبيل ببسم
أما بعد حمد الله ذي الآلاء ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء ، وآله وصحبه الأصفياء …
فإن علم العربية يقع من نافع العلوم : موقع الرأس من الإنسان ، واليتيمة من قلائد العِقْيان ، فليس أحد من أرباب الحجى والعلم يخلو من أن يكون متعلقاً منه بسبب ، وضارباً فيه بسهم .
وكان واسطة عقد العربية : علم النحو والإعراب ، الذي ينبغي أن يتحلى به طالب العلم ومريده ، بل قال العلامة : خالد الأزهري - رحمه الله - : ''إن معرفة الإعراب من الواجبات التي لابد لكل طالب علم منها ، ومن المهمات التي لا يستغني الفقيه عنها '' .
ومن متونه المقدَّمة وأركانه المختصرة ؛ متن موسوم بـ (مقدمة ابن آجرُّوم) ، عكف على ضبطه وفهمه الدارسون ؛ لظهور نفعه ، يقول العلامة ابن الحاج - رحمه الله - (صار غالب الناس أول ما يقرأ بعد القرآن العظيم ؛ هذه المقدِّمة ، فيحصل به النفع في أقرب مُدَّة) .
ومِنْ ثَمَّ انعقد العزم على مدارسة تلك المقدِّمة الآجرومية ؛ بحلّ مبانيها ، وإيضاح معانيها ، وتقرير قواعدها ، وتحرير مسائلها ، على وجه توسط وجِدَّة. مقدِّماً بين يدي ذلك مقدَّمة ذات باب ، وهذا أوان الشروع ، ومن الله التوفيق والتسديد ، وهو المستعان .
وفيها فصلان :
في تعريف موجز بابن آجروم - رحمه الله - ، وذلك في مقاصد عدة :
هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصِّنهاجي ، المعروف بـ (ابن آجروم) ، وهنا فائدتان :
أنه يُقَال لابن آجروم : (الصِّنْهاجي) نسبة إلى قبيلة صِنْهاجة بالمغرب . قاله الحامدي - رحمه الله - في حاشية له على : [شرح الكفراوي للآجرومية].
أن كلمة : (آجروم) لها معنى ، وضبط .
فأما المعنى :
فهو : الفقير الصوفي ، وذلك بلغة البَرْبَر . قال ابن عنقاء ''هي كلمة أعجمية ، بلغة البربر ، معناها : الفقير الصوفي ، على ما قيل . لكني لم أجد البرابرة يعرفون ذلك'' انتهى . غير أن السيوطي وابن الحاج جزما بالمعنى السابق.
وأما الضبط :
فعلى أوجه :
قال ابن عنقاء : ''في قبيلة البربر قبيلة تُسَمَّى بني آجروم ''.
فيقول ابن الحاج : ''ولد سنة اثنتين وسبعين وستمائة بمدينة فاس في السنة التي توفي فيها ابن مالك'' . وبذلك جزم ابن العماد في [شذرات الذهب].
فيقول ابن الحاج : ''توفي يوم الاثنين بعد الزوال لعشرة بقيت من صفر ، سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة'' . وبه قال الحلاوي وابن العماد وغيرها .
قال ابن الحاج : ''توفي ابن آجروم وله إحدى وخمسون سنة ، ودفن بباب الجيزيين ، ويعرف الآن بباب الحمراء بفاس ''.
قال السيوطي - رحمه الله - : ''وصفه شرَّاح مقدمته كالمكودي والراعي وغيرهما ، بالإمامة في النحو والبركة والصلاح ، ويشهد بصلاحه عموم نفع المبتدئين بمقدمته'' .
وقال ابن مكتوم عنه : ''نحوي مقرئ ، وله معلومات من فرائض وحساب وأدب بارع ''.
كان له - رحمه الله - مصنفات أشار إليها ابن مكتوم في : [تذكرته] بقوله : ''وله مصنفات وأُجيز في القراءات وغيرها ''، والمعروف من كتبه كتابان : الأول : هو مقدمته النحوية . الثاني : هو فرائد المعاني في شرح حرز الأماني .
في تعريف موجز بـ (المقدمة) ، وذلك حسب المقاصد التالية :
لم يسمِّ الْمُصَنِّف - رحمه الله - كتابه هذا باسمٍ ، إنما سُمِّيَ به فقيل : (الآجرومية) ، أو : (الجرّومية) وهذا من باب النسبة ؛ لأن المركب الإضافي كالمبدوء بـ (ابن) ، وهو هنا كذلك ، عند النسبة يُحذف صدره (ابن) وينسب إِلى عجزه (آجروم) وفيه يقول ابن مالك :
وانسُبْ لصدْرِ جُمْلةٍ وصدْرِ ما | رُكِّبَ مَزْجاً ولثانٍ تَمَّمَا |
وربما قيل في التسمية : (مقدمة ابن آجروم) أو : (المقدمة الآجرومية). ودال (المقدمة) فيهما تفتح وتكسر ، والكسر أولى لما فيه من إشعار بتقدمها استحقاقاً أَوْ حقيقة ؛ ولأن الفتح لغة قليلة .
قال بعض الشراح : ''إنما سُمِّيَت الآجرومية بـ (المقدمة) ؛ لأنها توصل المشتغل بها إِلى المطولات من كتب النحو والإعراب ، كمقدمة الجيش التي تتقدم أَمَامَه ، لتهيئ له في المحل الذي ينْزله ما يحتاج إليه''. وهو معنى لطيف متَّجه .
لم يذكر ابن آجروم ولا غيره من المترجمين والشراح زمن تصنيف الآجرومية ، غير أن ابن مكتوم في : [تذكرته] - وهو عصري ابن آجروم - قال : ''وهو إِلى الآن حي ، وذلك في سنة تسع عشرة وسبعمائة'' ، وذلك بعد أن أشار إِلى مصنفاته وكونه نحوياً مقرئاً .
ذكر الراعي وابن الحاج في [شرح الآجرومية] أن ابن آجروم ألَّف هذا المتن تجاه الكعبة الشريفة ، وقال الحامدي في [حاشيته على شرح الكفراوي للآجرومية] : ''حكي أنه ألَّفَ هذا المتن تجاه البيت الشريف'' .
كان له في ذلك طريقة حَيْثُ :
لقد اشتهرت الآجرومية بين الطلاب قديماً وحديثاً ، وانتفع بها الدارسون . يقول السيوطي : ''يشهد بصلاحه - أَيْ : ابن آجروم - عموم نفع المبتدئين بمقدمته'' ، ويقول ابن الحاج : ''ويدُلُّكَ على صلاحه أن الله جعل الإقبال على كتابه ؛ فصار غالب الناس أول ما يقرأ بعد القرآن العظيم هذه المقدمة ؛ فيحصل له النفع في اقرب مُدَّة'' .
وقد تنوعت العناية بالآجرومية ، فمنهم من نظمها كعبد السلام النبراوي ، وإبراهيم الرياحي وعلاء الدين الآلوسي والعمريطي وغيرهم . ومنهم من تَمَّمها كالحطاب ، ومنهم من شرحها - وهم كثير ، عَدَّ صاحب [كشف الظنون] منهم أكثر من عشرة - كالمكودي والراعي والأزهري والرَّمْلي.
قال الحامدي في حاشية له : ''حُكي أَيْضاً أنه لما ألفه - يعني : ابن آجروم ومقدمته - ألقاه في البحر ، وقال : إن كان خالصاً لله تعالى فلا يبل ، فكان الأمر كذلك''.
بدأ الْمُصَنِّف - رحمه الله - هذا المتن النحوي بـ (البسملة) ؛ وذلك منه اقتداء بكتاب الله ؛ إِذْ هي أول آية على الصحيح ، حَيْثُ افتتح الصحابة المصحف العثماني بها وتلوها وتَبِعَهم جميعُ من كتب المصحف بعدهم في جميع الأمصار ، قاله الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في [فتح الباري] .
وكذلك اتباعاً لهدي النبيr في مكاتباته ومراسلاته ، ككتابته إِلى هرقل عظيم الروم كما جاء ذلك في حديث أبي سفيان في أول صحيح البخاري .
ولما استقرَّ عليه عمل الأئمة الْمُصَنِّفين ، فقد قال الحافظ في [الفتح] : ''وقد استقر عمل الأئمة الْمُصَنِّفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة ، وكذا معظم كتب الرسائل'' .
ولعل الْمُصَنِّف - يرحمه الله - حَمِدَ وتَشهَّد نطقاً عند وضع الكتاب ، ولم يكتب ذلك اقتصاراً على البسملة ؛ لأن القدر الذي يَجْمع الأمور الثلاثة : ذِكْر الله ، وقد حَصَل بها .
جار ومجرور ، وهما متعلقان بمحذوف تقديره (أؤلف) أَوْ نحوه من المعاني الصحيحة السائغة . والاسم من السُّمُو لغة على الصحيح ، وهو ما كان لْمُسَمَّى ، وسيأتي - بإذن الله - الكلام عنه في موضعه .
مخفوض على الإضافة ، وهو مشتق من (أَلَهَ) ومنه قول رؤبة :
لِلَّهِ دَرُّ الغانِيَــات الْمُدَّهِ سبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي
والتَّأَلُّه هو : التعبُّد .
نعت بعد نعت ، هذا هو المشهور ؛ لكن قال في [المغني] : ''الرحمن : بدل لا نعت ، والرحيم بعده : نعت له'' . وهما اسمان لله يتضمنان صفة الرحمة ، واخْتُلِفَ في التفريق بينهما ، وأحسن ما قيل : إن الرحمن دالٌّ على الصفة القائمة بالذات ، والرحيم دال على تعلُّقها بالمرحوم .
كثيراً ما يعزو الشراح بدء الْمُصَنِّف بالبسملة إِلى حديث : (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) فهو أقطع) ، والحديث أخرجه عبد القادر الرُّهَاوِي في كتابه [الأربعين] ؛ لكنه ضعيف لا يصح ، وبذلك قطع أئمة، ومنهم : الحافظ ابن حجر ، والسخاوي وآخرون ، رحمة الله على الجميع .
فيه مباحث على ما يلي :
بدأ الْمُصَنِّف - يرحمه الله -بتعريف الكلام ؛ لأنه موضوع النحو ومادته والتي يعمل فيها ، وبه يقع التفاهم والتخاطب .
ومِنْ ثَمَّ يَبِينْ عناية الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بتقديم ما حقه التقديم على غيره ، وهذا هو حقيقة التدرّج المحمود في التعليم .
قوله : (الكلام) أَيْ في اصطلاح النحويين ؛ لأن (ال) في (الكلام) إما أن تكون عوضاً عن مضاف إِلَيْهِ ، أَوْ للعهد الذهني .
فعلى الأول إما أن يكون المضاف إِلَيْهِ المحذوف ضميراً أَوْ لا ، فإن كان ضميراً يكون التقدير : كلامنا ؛ أَيْ معشر النحاة . وإن كان اسماً مظهراً فيكون التقدير : كلام النحويين ، والْمُصَنِّف - يرحمه الله - منهم .
وعلى الثاني يكون المقصود : الكلام المعهود في الأذهان ، وهو كلام النحويين ؛ لأن المتن المبدوء به ذلك في النحو ، ومصنفه من النحويين ، بل من أئمتهم المشهورين .
قوله (اللفظ) يتعلق به أشياء ثلاثة :
حَيْثُ إِنه : يدل على طرح الشيء ، تقول : لفظتُ الشيء من فمي ، إِذا طرحتَه .
حَيْثُ إِنه : الصوت المنقطع من الفم ، المشتمل على بعض الحروف الهجائية تحقيقاً كـ(زيد) أَوْ تقديراً كالضمير المستتر .
حَيْثُ احترز بقَيْد (اللفظ) - في تعريف الكلام اصطلاحاً - : عن كل ما حصل به التفاهم وليس بلفظ ، كالكتابة والإشارة ونحوهما . وهي تُسَمَّى عند اللُّغَويين بـ (الدَّوالّ) لأنها تدل على معنى يَفْهَمه المخاطَب بها .
قوله (المركّب) يتعلق به أشياء ثلاثة :
حَيْثُ إِنه : علوُّ شيءٍ شيئاً ، تقول : ركبتُ الدَّابة إِذَا عَلَوْتها . وكلمة (المركب) اسم مفعول من : ركب .
حَيْثُ إِنه : ضمُّ كلمةٍ إِلى أخرى فأكثر . سواء أكان الضم ظاهراً كـ (قام زيد) ، أم كان مُقَدَّراً كـ (قم) ، إِذْ التقدير : قُمْ أنت .
وليُعْلم أن التركيب يأتي على أنواع :
قَيْد (التركيب) احترز به : عن المفرد ، كـ (زيد) فقط ، أَوْ (عمرو) فقط - أعني : لم يُضَمّ إليها شيء آخر - .
قوله (المفيد) يتعلق به أشياء ثلاثة :
حَيْثُ إِنه : ما ترتب عليه فائدة ، ولها معانٍ منها : ما استفيد من علم أَوْ مال . وكلمة (المفيد) اسم فاعل من : فَيَدَ .
معناه في الاصطلاح ؛ حَيْثُ إِنه : كل ما أفهم معنى يَحْسُنُ السكوت عليه كـ (قام زَيْدٌ) خلافاً لـ (إن قام زَيْدٌ) فلا يًحْسُنُ السكوت عليها .
ثم هل المراد سكوت الْمُتَكَلِّم عن التكَلُّم ، أَوْ السامع عن طلب الازدياد ، أَوْ هما ؟ أقوال ؛ أرجحها : الأول ؛ لأن السكوت خلاف التكَلُّم ، والثاني صفة الْمُتَكَلِّم اتفاقاً ، فكذلك السكوت .
صفته :
وهل يشترط إفادة المخاطب شيئاً يجهله ؟ قولان :
وليُعْلم أن محل الخلاف السابق : إِذَا ابتدئ به ؛ لا إِذَا كان في درج الكلام وثناياه .
ومثال البدء :
قولك لعاقل : النار حارة تحرق . خلافاً ما إِذَا كانت الجملة نفسها في درج حديث مفيد أوله .
قوله : (بالوضع) يتعلق به أشياء ثلاثة :
حَيْثُ إِنه : يدل على خفض الشيء وحطه ، تقول : وضعت الكتاب على الأرض ؛ إِذَا حططته . وكلمة : (بالوضع) جار ومجرور متعلق بـ(المفيد) ، والباء في كلمة : (بالوضع) تحتمل معان ، ومنها : المصاحبة ، أي : الكلام هو اللفظ المركب المفيد إفادة مصحوبة بالوضع .
هو : جعل اللفظ دليلاً على معنى ، وفق الاستعمال العربي . وهذا الوضع العربي يشمل اللفظ على جهة الانفراد والنظم . فأما الانفراد فتكون الكلمة المراد بها معنى ما قد استعملها العرب للمعنى نفسه . كـ(زيد) ؛ فإنه لفظ عربي جعلته العرب دالاً على معنى ، وهو ذات وضع عليها لفظ : (زيد) .
وكذلك يُقَال في نظم الكلام وضم بعضه إِلى بعض ؛ إِذْ لابد من صحة تركيبه وعَوْد ضمائره وما إِلى ذلك .
ثم هل الوضع يُرَاد به - أَيْضاً - القصد ؛ أَيْ : أن يكون الكلام مقصوداً ؟ قولان .
ومِنْ ثَمَّ يكون لكلمة : (بالوضع) معنى يتضمّن شيئين :
قَيْد (الوضع) - بمعنييه السابقين - احترز بالأول منهما : عن الكلام الموضوع وضعاً غير عربي ، كالكلام الأعجمي . واحترز بالثاني : عن كلام غير القاصد - ولو كان موضوعاً وضعاً عربياً - ، كالمجنون .
في كون حَدّ الكلام اصطلاحاً يشتمل على قيود أربعة وهي : اللفظ ، والتركيب ، والإفادة ، والوضع .
وهذا الْحَدّ بقيوده الأربعة ذكره جماعة قَبْل ابن آجروم - يرحمه الله - ، ومنهم : الإمام الْجُزُولي - نسبة إِلى جُزُولة ، بطن من بطون البربر بالمغرب - ، قاله الأزهري .
اعترض على حدّ الْمُصَنِّف للكلام باعتراضين :
أن قَيْد : (التركيب) و(الوضع) : يغني عنهما قَيْد : الإفادة ؛ لأن المفيد الفائدة التي يحسن السكوت عليها ؛ يستلزم أن يكون مركباً وموضوعاً .
ولكن أجيب عن ذلك بجوابين :
أن هناك قَيْداً لابد منه في التعريف ، وهو : اتحاد الناطق ، فلو اصطلح رجلان على أن يَذْكر أحدهما فعلاً ، والآخر فاعلاً ؛ لم يُسَمَّ ذلك كلاماً . ومِنْ ثَمَّ تعيَّن إضافة قَيْد : (اتحاد الناطق) في التعريف .
ورُدَّ هذا الاعتراض بأن قَيْد : اتحاد الناطق مُخْتلَف فيه ، بل صحَّحَ الأئمة كابن مالك وأبي حيان عدم كونه قَيْداً ، إلحاقاً بحقيقة : (الْخَطّ) ؛ إِذْ يُسَمَّى الخط خطاً ولو اختلف الكاتب ، فكذلك الكلام .
أ) لو تمثَّل عاقل فقال :
مَنْ يأخُذِ العلْمَ عن شيخٍ مُشافهةً | يَكُنْ عنِ الزَّيفِ والتصْحِيفِ في حَرَمِ |
لَعُدَّ كلامه عند النحاة كلاماً ؛ لانطباق تعريف الكلام عندهم عليه ، فقوله: (من يأخذ …) لفظ . لأنه صوت مشتمل على حروف هجائية ، أولها : الميم ثم النون وهلم جراً . وهو كلام مُركَّب من كلمات بل من جمل . وهو كذلك مفيد ؛ حَيْثُ حسن سكوت الْمُتَكَلِّم عليه ؛ ولم يكن السامع يدري من مبانيه ومعانيه - أعني : الأبيات المتمثل بها - . وهو موضوع وضعاً عربياً ومقصود ، لكونه من عاقل .
ب) لو قال قائل من العقلاء :
(قرأت كتاب : [الكتاب] لأبي بشر ؛ فوجدته موسوعة عربية كبرى) . لما عَدَّه النحاة كلاماً ؛ لأن كلمة : (موسوعة) غير عربية ، فتأخر في هذا المثال قَيْد: الوضع .
لفظ (موسوعة) اصطلاح قريب العهد في أول القرن الثالث عشر . وهو تصحيف . قصته : أن إحدى مكتبات القسطنطينية كانت تدون فهرساً لمحتوياتها، فأملى أحد موظفيها اسم كتاب ''لطاش كبرى زاده'' ، عنوانه : موضوعات العلوم ، أملاه بلسان الأعاجم ، فسمعه الكاتب : موسوعات العلوم .
فوقف الأستاذ إبراهيم اليازجي على : موسوعات العلوم ، فظَنَّ أن كلمة (موسوعات) تؤدي معنى (دائرة معارف) فأعلن ذلك في مجلته الْمُسَمَّاة بـ (الضياء) فسار به القراء .
ويستعاض عن كلمة (موسوعة) بالجمهرة أَوْ الْمَعْلَمَة ، والأول عليه كثير من أئمة اللُّغَة .
فيه مباحث على ما يلي :
قوله (وأقسامه) يتعلق بها أشياء :
في كون (الواو) في (وأقسامه) استئنافية ، وقولنا : (استئنافية) مأخوذ من : الاستئناف وهو : الابتداء ، تقول : استأنفت الأمر ؛ إِذَا ابتدأته .
في كون ضمير (الهاء) المتصل ؛ عائداً على الكلام . وهو في مَحَلّ خَفْضٍ على الإضافة .
في معنى (الأقسام) لغة ؛ حَيْثُ إِنها جَمْع قسْم ، والقَسْم - بفتح القاف - مصدر قَسَمْت الشيء قَسْماً ؛ إِذَا جزَّأته . والقِسْم - بكسر القاف - النصيب .
في معنى (الأقسام) في عبارة الْمُصَنِّف - يرحمه الله - ، حَيْثُ عَنى أجزاء الكلام من جهة تركيبه لا حقيقته ؛ لأنه سبق أن الكلام عند النحاة حقيقته مُركَّبةٌ من اللفظ المركب ، والمفيد بالوضع . فهذه القيود الأربعة هي أجزاء الكلام من جهة حقيقته . وأما من جهة التركيب فثلاثة : اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى .
قوله : (ثلاثة) يتعلق به شيئان :
أن تقسيم الكلام من جهة تركيبه إِلى أقسام ثلاثة ، أمر مُجْمع عليه عن اللُّغَويين والنحاة ؛ قاله الأزهري .
في دليل القِسْمة . حَيْثُ إِن دليل ذلك أمران :
وبيانه :
أن الكلمة لا تخلو : إما أن تدل على معنى في نفسها أَوْ لا ، فالثاني : الحرف . والأول : إما أن يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أَوْ لا ، فالثاني : الاسم . والأول : الفعل.
قوله : (اسم) ، يتعلَّق به أشياء أربعة :
في تقديم الْمُصَنِّف - يرحمه الله - الاسمَ على الفعل والحرف ؛ إِذْ هناك ما يُوجِب تقديمه ، ومن ذلك : كون الاسم يأتي مسنداً ومسنداً إِلَيْهِ ، خلافاً للفعل فلا يكون إلا مسنداً ، وأما الحرف فلا يكون مسنداً ولا مسنداً إِلَيْهِ .
ومثال ذلك :
(زَيْدٌ قَائِمٌ) ؛ وفيه أُسْنِدَ القيام لزيد ، فكان (زيد) مسنداً إِلَيْهِ القيام ، وكانت كلمة : (قائم) مسنداً ؛ حَيْثُ أُسْنِدت لـ (زيد) ، وكلمة : (قائمٌ) اسم ، بدلالة التنوين فيها ، والتنوين - كما سيأتي إن شاء الله - من خواص الاسم وعلاماته .
فبان بالمثال السابق أن الاسم يأتي مُسْنَداً ومُسْنَداً إِلَيْهِ .
إِذْ هو : ما دَلَّ على مُسَمّى ، واخْتُلِفَ في اشتقاقه هو مِن (السُّمُوّ) وهو : العلو ، أم من (الوَسْم) وهو : العلامة ؟؟ قولان : والصحيح : الأول ، وعليه الأكثر . ولا شك أن الاسم يعلو الْمُسَمَّى ، ويعلو الفعل والحرف على ما سبق (أَيْ : من كونه مسنداً ومسنداً إِلَيْهِ) .
حَيْثُ يُعَرَّف بأنه : ما دَلَّ على معنى في نفسه ولم يقترن بزمان .
و(في) في التعريف للسَّبَبِيَّة ، أَيْ : دَلَّتْ عَلَى معنى بسبب نفسه لا بغيره .
والمراد بالزمان في : (ولم يقترن بزمان) المعَبَّر عنه بـ (الماضي ، والحال ، والاستقبال) .
حَيْثُ يقسم إِلى أقسام ثلاثة :
وقَيْد التكَلُّم مثاله : أنا ، فهو يدل على الْمُتَكَلِّم .
وقَيْد الخطاب مثاله : أنت ، فهو يدل على مُخاطَب .
وقَيْد الغَيْبة مثاله : هو ، فهو يدل على غائب .
وجميع هذه الأسماء بقيودها ضمائر ؛ ولذا سُمِّيَت بـ (الأسماء الْمُضْمَرة) .
وقَيْد الإشارة مثاله : هذا ، فهو اسم إشارة .
وقَيْد الصلة مثاله : الذي ، فهو اسم موصول .
واسم الإشارة والصِّلة كلاهما يدل علي مُبْهَم . ولذا سُمِّيَا بـ (الأسماء الْمُبْهَمة) .
وذهب جماعة من النحاة إِلى أن الاسم الْمُبْهَم من المضمر ، ومِنْ ثَمَّ جعلوا الاسم قسمين : مُظْهر ، ومُضْمر .
قوله : (وفعل) يتعلق به أشياء أربعة :
ثنى الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بالفعل ، لكونه يتوسط الاسم والحرف مرتبة ، وسبق تقرير ذلك . و(الواو) في : (والفعل) عاطفة .
حَيْثُ إِنه يدل على إحداث شيء من عملٍ وغيره ، تقول : فعلتُ كذا ؛ إِذَا أحدثتَهُ .
حَيْثُ إِنه : ما دَلَّ على معنى في نفسه واقترن بزمان . و(في) في قولنا (معنى في نفسه) ؛ للسَّبَبِيَّة ، أَيْ دَلَّتْ عَلَى معنى بسبب نفسه ، لا بانضمام غيره إِلَيْهِ .
حَيْثُ يقسَّم إِلى : فعل ماض ، وفعل مضارع ، وفعل أمر . وسيأتي الكلام عنها - إن شاء الله - ؛ حَيْثُ عقد الْمُصَنِّف - يرحمه الله -لها فصلاً .
قوله : (وحرف جاء لمعنى) يتعلق به أشياء :
أَخَّرَ الْمُصَنِّف - يرحمه الله -ذِكْر الحرف ، لكون مرتبته متأخرة عن الاسم والفعل ، وسبق تقرير ذلك . و(الواو) في (وحرف) عاطفة .
حَيْثُ يدل على طرف الشيء وجانبه ، تقول : سرت على حرف الوادي ، أَيْ : على طرف الوادي وجانبه . وللحرف معانٍ أُخَر .
حَيْثُ إِنه : ما دَلَّ على معنى مع غيره ولم يقترن بزمان . وقولنا : (مع غيره) يدل على أن الحرف لا يدل على معنى في نفسه كالاسم والفعل ، بل يأخذ معنى عند انضمامه إِلى اسم أَوْ فعل .
في معنى قوله : (جاء لمعنى) ؛ حَيْثُ إِنه قَيْد للحرف الذي هو ثالث أقسام الكلام من جهة التركيب ، إِذْ إِنَّ الحروف نوعان .
حَيْثُ يُقَسَّم إِلى أقسام ثلاثة :
قال الإمام ابن قتيبة - رحمه الله - في مُقدِّمة [أدب الكاتب] :
'' ونحنُ نستحِبُّ لمن قَبِلَ عنا ، وائْتَمَّ بِكُتُبِنا : أنْ يُؤَدِّبَ نفْسَهُ قَبْلَ أنْ يؤَدِّبَ لسَانَه ، ويُهذِّبَ أخْلاقَهُ قبْلَ أنْ يُهَذِّبَ ألْفاظَهُ ، ويَصُون مروءته عن دَنَاءة الغيبة ، وصناعته عن شَيْن الكذب ، ويُجَانب - قبل مجانبته اللَّحْن ، وخَطَل القول - شنيع الكلام ، ورَفَثَ المزح '' .
ففي هذه الْجُمَل أسماء وأفعال وحروف .
فمن الأسماء (نحن ، كتب ، نفس ، لسان) .
هذا شروع من الْمُصَنِّف - رحمه الله - في بيان علامات أقسام الكلام ؛ للتمييز بين كل قسم وأخيه .
وقد ذهب بعض الشراح إلى أن الأَوْلى للمصنف - رحمه الله - أن يذكر حقيقة كل قسم وتعريفه قبل أن يذكر علاماته .
وأجيب : بأن ذكر العلامات أسهل على المبتدئ في التمييز بين أنواع الكلام وأقسامه ، خلافاً لتعريف كل قسم وذكر حقيقته فقد ينبهم على المبتدئ .
وقد ابتدأ الْمُصَنِّف - رحمه الله - بذكر علامات الاسم لمعنى سبق - وهو تقدم الاسم على الفعل والحرف لكونه مسنداً ومسنداً إليه - .
يعني الذي هو أحد أقسام الكلام ؛ إِذْ إِنَّ القاعدة اللُّغَوية البلاغية تقول : إن الكلمة إذا كانت معرفة أو نكرةً ثُمَّ أُعيدت معرفة فهي ذات الأولى .
يقول السيوطي في [عقود الْجُمَان] :
ثُمَّ مِنَ القواعد المشْتهرةْ | إِذَا أتَتْ نكرةٌ مُكرَّرةْ |
وقد ذكر الْمُصَنِّف - رحمه الله - بعضاً من علامات الاسم .
السُّفْل ، تقول : (نزلت في مكان منخفض) أي في سُفْل ونزول .
فهو تأثر الاسم بكونه مجروراً إما بحرف جر أو بالإضافة أو التبعية .
كل ذلك مجتمع في البسملة (ببسم ) حَيْثُ إِن (بسم الله) كلمة (اسم) : مخفوضة بدخول حرف الجر عليها وهو الباء ، وكلمة لفظ الجلالة (الله) : مخفوضة على الإضافة ؛ إِذْ إِنَّ (اسم) مضاف ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه . وكلمتي (الرحمن الرحيم) : مخفوضتان على التبعية ، لأنهما يتبعان حكم ما قبلهما على خلاف بين اللُّغَويين .
فمنهم من يقول هما يدلان على لفظ الجلالة (الله) وهو الأصح ، وهو اختيار السُّهيلي - رحمه الله - .
ومنهم من يقول : هما وصفان للفظ الجلالة (الله) ، وذهب إليه الأكثر ، وهو اختيار الزمخشري .
وليُعْلم أن المراد من هذه العلامة - وهي الخفض - لَيْسَ مجرد تقدُّم حرف الجر على الكلمة ؛ إِذْ إِنَّ حرف الجر قد يدخل على بعض الكلمات غير الاسمية . كقولك '' مِن أن '' في جملة '' مِن أن أعرف صاحباً وفياً '' ؛ إِذْ إِنَّ '' مِن '' هنا دخلت على غير اسم ، وإنما المقصود هو تأثر الكلمة بالخفض والجر .
وليُعْلم أن لغة أهل الكوفة أنهم يعبِّرون عن ذلك بالخفض ، خلافاً لأهل البصرة فهم يعبِّرون عن ذلك بالجر .
وقد ذكر الْمُصَنِّف - رَحِمَهُ الله - أحرف الخفض والجر ، وذكر منها حروف القَسَم أَيْضاً ، وهي داخلة في هذه العلامة التي هي الخفض ؛ لأن حروف الجر أحد العوامل الثلاثة التي يتم بها الخفض على ما سبق .
وهو لغة : التصويت ، تقول : نَوَّنَ الطائر . إذا أحدث صوتاً .
نون ساكنة زائدة تلحق آخر الأسماء لفظاً لا خطاً ، يُستعاض عنها في الكتابة بضمتين أو فتحتين أو كسرتين . ككلمة (مُحَمَّد) في جملة : (جاء مُحَمَّدٌ ، رأيت مُحَمَّداً ، مررت بمُحَمَّدٍ) فقد لحقها التنوين في محالها الثلاث .
وهو الذي يلحق آخر بعض الأسماء المبنية كـ(سيبويه) ، فإنه إذا لحقها وجب تنكيرها وعدم خصوصيتها لشخص مُعَيَّنٍ .
فكلمة (سيبويه) تطلق على رجل نحوي معروف عند اللُّغَويين وغيرهم ، أما إذا قلت (سيبويهٍ) بالتنوين في آخره ، فإنه لا يُقْصَدُ به ذاك الرجل بل كل من كان عارفاً بالنحو ، ولذا سُمِّيَ بـ(تنوين التنكير) .
وهو إما أن يكون عوضاً عن جملةٍ ، أو كلمةٍ ، أو حرفٍ .
كـ(قاضٍ) هو عوض عن حرف الياء ، إذ أصلها (قاضي) فحذفت الياء ، واستُعِيض عنها بالتنوين لذا سُمِّيَت بـ(تنوين عوض) .
وهو الذي يلحق آخر الجمع المزيد بألف وتاء ، الْمُسَمَّى عند بعض النحويين بـ(جمع المؤنث السالم) ، إِذْ إِنَّه في مقابل النون المثبتة في جمع المذكر السالم .
ومثاله :
(مؤمناتٍ) فالتنوين الذي لحقها في مقابلة النون المثبتة في كلمة (مؤمنين) .
وهو يعني ( ال ) المعرِّفة ، كقولك (الكتاب) فكلمة (كتاب ) اسم لدخول (ال) عليها .
وليُعْلم أن قول الْمُصَنِّف (دخول الألف واللام ) منتقدة ؛ لأن القاعدة في ذلك : هي أن الكلمة إذا كانت مُكَوَّنَة من حرف واحد نُطق باسمها لا مُسَمَّاها، كحرف العين والصاد وغيرهما ؛ فأصله حرف واحد ، ولكن نُطق باسمه فقيل (عين وصاد) ، خلافاً للكلمة المُكَوَّنَة من أكثر من حرف ، فإنه يُنطق بمُسَمَّاها لا باسمها ، كنحو : (ال) فهي مُكَوَّنَة من حرفين ، فلا يُقَال (الألف واللام) .
وقد أثبت هذه القاعدة غير واحد من أئمة اللُّغَة ، ومنهم ابن هشام - رحمه الله - في كتابه [مغني اللبيب] ، ولكن قد يُعتذر للمصنف - رحمه الله - بأن الْمُعرِّف لكلمة (ال) مختلف فيه .
فجمهور اللُّغَويين على أن الْمُعرِّف هي اللام ، والهمزة زائدة .
وذهب المبرِّد إلى أن الهمزة هي الْمُعَرِّف فحسب .
وذهب الخليل وسيبويه إلى أن الْمُعَرِّف الهمزة واللام ، غير أن الأول جعل الهمزة همزة قطع خُفِّفَتْ . والثاني جعلها همزة وصل ؛ ومِنْ ثَمَّ تحاشى الْمُصَنِّف - رحمه الله - أن يقول (ال) للخلاف المذكور .
واستحسن بعض اللُّغَويين أن يُعبِّر عن ذلك بـ(أداة التعريف) ليشمل الخلاف ، وبعض اللهجات العربية كلهجة حمير ؛ إِذْ إِنَّ أداة التعريف عندهم (أم) حَيْثُ يجعلون الميم عندهم مَحَلّ اللام.
ما كل (ال) مُعَرِّفة ؛ إِذْ إِنَّ (ال) الموصولية التي بمعنى (الذي) لَيْسَتْ علامة على الاسم ، كنحو قول الفرزدق : (ما أنتَ بالْحَكَمِ الـتُرضَى حُكُومَتُهُ)
أي : التي ترضى ، وتُرضى فعل .
أي تُسند للاسم فعلاً أو اسماً ، كقولك : (جاء مُحَمَّدٌ ، مُحَمَّدٌ قائمٌ) . ففي المثال الأول : أسند المجيء إلى مُحَمَّدٍ ، وفي المثال الثاني : أسند القيام إلى مُحَمَّدٍ . فدل على اسميته (محمد) ؛ ولذلك قطع اللُّغَويون باسمية تاء الفاعل ، في نحو قولك (قلت) لأنه أُسند إليها معنى وهو القول هنا .
ذكر - رحمه الله - علاماتٍ للفعل يعرف بها :
وهو يعني الحرفية ، وهي تدخل على الفعل الماضي ، وعلى الفعل المضارع .
فمع الماضي تفيد أحد معنيين :
وإذا دخلت على المضارع تفيد أحد المعنيين :
وقد انتُقد على الْمُصَنِّف - رحمه الله - جعله (قد) من علامات الفعل ؛ لأن (قد) عند اللُّغَويين نوعان :
وهي تدخل على الفعل المضارع فحسب ، ويسميان بـ(حرفي تنفيس) أي توسيع ، ولذلك أنهما إذا دخلا على المضارع وسعا نفسه من الحاضر إلى المستقبل .
فقولك (يأكل الغلام رغيفاً) أي في الوقت الحاضر الذي هو زمن التكَلُّم ، فإذا أُدخِل على هذه الجملة (السين أو سوف) مَحَّضا زمن المضارع للاستقبال . فقولك (سوف يأكل الغلام رغيفاً) ، أو (سيأكل الغلام رغيفاً) أي : في المستقبل .
ذهب جمهور اللُّغَويين من أهل البصرة وغيرهم إلى أن (سوف) أوسع تنفيساً من السين ، وحجتهم في ذلك أن زيادة المبنى تورث زيادة المعنى ، فمبنى كلمة (سوف) أكثر حروفاً من مبنى كلمة (حرف السين) - يعني حرف (س) - .
وخُولِفُوا في ذلك إِذْ إِنَّ هذه القاعدة غير مطَّردة ؛ قاله ابن هشام - رحمه الله - في [المغني] .
وهي التي تأتي في نحو قوله تعالى : ] قالتِ اخرج عليهن [ ، وهي قد تتحرك لالتقاء الساكنين : إما إلى الكسر ، كالآية السابقة ] قالتِ اخرج عليهن [ أو إلى فتح ، كقوله U
] قالتا أتينا طائعين [ . أو إلى ضم ، كقراءة ] قالتُ اخرج عليهن [ .
وهذه العلامة خاصة بالفعل الماضي ، ومِنْ ثَمَّ يتبين أن الْمُصَنِّف - رحمه الله - ذكر علامة تختص بالفعل المضارع وهي - (السين وسوف) - وأخرى تختص بالفعل الماضي - وهي (تاء التأنيث الساكنة) - ، وثالثة تدخل على النوعين المضارع والماضي - وهي (قد الحرفية) - وأهمل - رحمه الله - الفعل الأمر فلم يذكر له علامة ، لأنه ذو مذهب كوفي ، والأفعال عندهم مضارع وماضي فحسب ، ويجعلون الأمر فرعاً من المضارع ، ولذلك يُبنى على ما يُجزم به مضارعه . ويأتي طرفٌ للكلام عن هذه المسألة - إن شاء الله - .
ومن علامات فعل الأمر قبوله (ياء المخاطبة) نحو قولك : (قومي) .
أي : أن علامة الحرف علامة عدمية ، فإذا انعدمت علامات الاسم وعلامات الفعل فهو حرف ، وقد درج اللُّغَويون على ذلك - أي وضع علامة عدمية للحرف - .
الدليل : هو العلامة . أي لا علامة الاسم ولا علامة الفعل .
الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً . قوله (باب الإعراب) أي هذا باب الإعراب ، وإنما قدرت كلمة (هذا) في صدر الجملة لمعنيين ذكرهما غير واحد من أئمة اللُّغَة :
الأول :
أن الأئمة في اللُّغَة وغيرها كانوا إذا صرحوا بالْمُقَدَّر في نحو هذه الجملة ذكروا كلمة (هذا) .
الثاني :
أن تقدير كلمة (هذا) أصلح من غيرها ففيها معنى الْمُشار والْمُشار إليه .
الأول :
أن الْمُشار إليه موجود في الذهن عند الإشارة .
الثاني :
أنه يسوغ الإشارة إلى غير الْمُشار إذا كان قريب الوقوع كنحو قوله تعالى ] أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ وهو لم يأت حقيقة وإنما قرب مجيئه بدلالة قوله ] فلا تستعجلوه [ قاله غير واحد من أهل التفسير والتأويل .
المدخل إلى الشيء . وأصل استعماله في الحسيات كباب الدار ونحوها إلا أنه هنا مقيس على المحسوس ؛ بجامع كونه مدخلاً إلى شيء .
هو اسم لجملة من العلوم فيُقَال (باب الإعراب ، وباب المبتدأ والخبر ، وباب المفعول به ) وهلمَّ جراً من العلوم المذكورة لقبها .
له معان عدة أوصلها السيوطي - رحمه الله - في (همع الهوامع) إلى عشرة معان غير أن المناسب منها هنا : التغيير . كنحو قولك (أعرب الله معدة البعير) إذا غيَّرها قاله سيبويه وغيره .
تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظاً أو تقديراً كما قاله الْمُصَنِّف - رحمه الله - .
وهذا هو الذي عليه جماعات من اللُّغَويين وهو ما يُسَمَّى الإعراب المعنوي وهو يتعلق بأواخر الكلم لا بأوائلها ولا أواسطها ؛ لأن من أقسام الإعراب : الجزم وحقيقته السكون ، والعرب لا تبدأ بساكن البتة ، وكذلك لو قيل بان محله الوسط - أي وسط الكلمة - لكان السكون مضاعفاً وكذلك الحركة ؛ لأن الوسط لا يخلو منهما فيكون الوسط حينئذ مشتغل بسكون وسكون أو بحركة وحركة وهذا منتفي عند أرباب اللُّغَة وأئمتها .
اللام في قوله (لاختلاف) تعليلية وقيل سببية أي أن سبب وعِلَّة تغيير أواخر الكلم هو اختلاف العوامل الداخلة عليها .
والعوامل جمع عامل ، وهو فاعل الحركة ومسببها أي فاعل التسكين ومسببه كـ( إن مُحَمَّداً مجتهدٌ) ، فإن المبتدأ وهو مُحَمَّدٌ قد نُصِب هنا بحرف (إن الناصبة). وكقولك : (ضرب زَيْدٌ عَمْراً) فإن الفاعل عمل في المفعول به النصْب وهكذا في أواخر الكلم تختلف باختلاف العوامل الداخلة عليها . فكلمة (محمد) قد تكون مرفوعة أو منصوبة أو مخفوضة لاختلاف العوامل في نحو قولك : (جاء محمدٌ ، رأيت مُحَمَّداً ، مررت بمُحَمَّدٍٍ) .
أي أنه ملفوظ باللسان أي تلك الحركة بحيث تُسمع نحو قولك (جاء مُحَمَّدٌٌ) ونحوه فإن إعرابه ملفوظ غير مُقَدَّر .
وأما الْمُقَدَّر فهو عدم ظهور الحركة في اللسان بحيث تكون مسموعة ، كنحو قولك : (جاء موسى) فكلمة (موسى) مرفوعة بالضمة الْمُقَدَّرَة على آخره .
وليُعْلم أن جميع المعربات ظاهرة الحركة سوى ما يلي :
أولها :
ما لحقته الألف المقصورة من الأسماء أو الأفعال فإن الحركة لا تظهر لمانع التعذر أي يتعذر النطق بالحركة .
وهذا النوع تُقَدَّر معه جميع الحركات وهي : {الضمة ، الكسرة ، الفتحة مع الاسم} ، {والضمة والفتحة مع الفعل} .
ثانيها :
الاسم المنقوص مثل : القاضي ، الداعي وغيرهما من الأسماء ، أو ما كان آخره ياءً أو واواً من الأفعال مثل : يدعو ، يقضي وغيرهما من الأفعال . فتُقَدَّر عليها جميع الحركات سوى الفتحة في حالة النصْب فإنها تظهر . ومانع ظهور الضمة والكسرة هو الثقل أي تقيل على اللسان النطق بها .
ثالثها :
ما لحقته ياء الْمُتَكَلِّم . كقولك : (جاء غلامي) . فكلمة (غلامي) مُكَوَّنَة من شيئين : الأول : اسم (غلام) . والثاني (حرف الياء) وهذه الياء تُسَمَّى بياء الْمُتَكَلِّم ، لأنها ترجع على الْمُتَكَلِّم فهذه تُقَدَّر معها جميع الحركات لمانع اشتغال المحل بالحركة المناسبة .
فقولك : (جاء غلامي ، رأيت غلامي ، مررت بغلامي) .
الأولي : مرفوعة بالضمة الْمُقَدَّرَة على آخرها منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة وهو مضاف والياء مضاف إليه .
والثانية : منصوبة بالفتحة الْمُقَدَّرَة على آخرها منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة وهو مضاف والياء مضاف إليه .
والثالثة : مخفوضة بالكسرة الْمُقَدَّرَة على آخرها منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة وهو مضاف والياء مضاف إليه .
الأول :
جميع الأفعال سوى الفعل المضارع الذي لم تلحقه نون التوكيد - يُبنى على الفتح - أو نون النسوة (نون الإناث) - يُبنى على السكون .
الثاني :
الحروف فكلها مبنية .
فيه مقاصد
يعني الإعراب وإنما قيل أربعة نتيجة الحَصْر الاستقرائي التام فهي لا تخرج عنها البتة .
هو ضد الخفض لغةً أو هو العلو .
النصْب في اللُّغَة له معان منها : شخوص الشيء ووضوحه . تقول هذا منصوب أي شاخص .
والخفض هو ضد العلو والارتفاع أو هو السُّفْل .
الجزم هو القطع ، تقول جزمت الشجرة إذا قطعتها .
حاصله أن الاسم لا يُجرم لأن الجزم ثقيل والاسم خفيف فناسب كون الاسم غير مجزوم .
وكذلك الفعل لا خفض فيه لأن الفعل ثقيل حَيْثُ إِنه يدل على الحدث والزمن خلافاً للاسم فيه خفة للألسنة على معنى متجرداً عن الزمن فلم يناسب كون الفعل مخفوضاً .
إذا لحق الضمير الاسم فيكون مضافاً إليه ، وإذا لحق الفعل فيكون فاعلاً أو مفعولاً به .
فليُعلم أن ضد الإعراب البناء ومعناه : هو لزوم آخر الكلمة حركة لا تتغير باختلاف العوامل الداخلة عليها وهو يكون في الأسماء والأفعال والحروف .
فالأصل في الأفعال : البناء ، والأصل في الأسماء : الإعراب ، وأمَّا الحروف فمبنيةٌ كلها . فلا يُعرب من الأفعال سوى المضارع إذا لم تلحق آخره نون التوكيد أو نون النسوة ومثاله : يأكلُ ، ويخرجُ ونحوهما . فإنها تُرفع بالضمة وتُنصب بالفتحة وتُجزم بالسكون .
ولا يُبنى من الأسماء سوى ما أشبه الحرف وفي شبهه من الحرف أوجه تأتي إن شاء الله في المطولات . ومنها : الشبه اللفظي أو الوضعي وهو أن يشبه الاسم الحرف في لفظه أو وضعه كأن يكون مكوناً من حرف أو حرفين ؛ إذ هذا هو أصل تكوين الحروف . ومثاله : (كم) الاستفهامية . فهي من أسماء الاستفهام وهي مبنيةٌ اتفاقاً وسبب بنائها : هو الشبه الوضعي بحرف لم ، وهل ونحوهما ؛ إذ الجميع مكونٌ من حرفين .
وأما الحروف فجميعها مبنية اتفاقاً كحروف الجر والجزم وغيرهما .
وأما علامات البناء فقد تكون الفتح أو الكسر أو الضم أو السكون . فمثال الفتح : الكاف في قولك (أولئكَ) . ومثال الكسر : الهمزة الأخيرة في قولك (أولاءِ) . ومثال الضم : حيثُ . ومثال السكون ـ التسكين ـ : لم وكم وغيرهما . غير أن الصحيح من أقوال أهل اللُّغَة أن الأصل في البناء : التسكين .
لم يذكر الْمُصَنِّف - رحمه الله - البناء في مقدمته هذه لأنه قصد ذكر الإعراب وأبوابه ومسائله والبناء ضده .
حاصل ما ذكره المصنف - يرحمه الله - في هذا الفصل المتعلِّق بعلامات الإعراب ؛ لخصه في الفصل الذي يليه ، وذكر تقسيماً نافعاً للمبتدئ ؛ لذا سنكتفي بشرح الفصل التالي لهذا الفصل عن هذا الفصل ؛ لأن المحتوى واحد .
في ذِكْرِ المصنف لعلامات الإعراب ، ثم تلخيصها في فصلٍ ثانٍ لها دلالةٌ على تنويع طرائق التعليم لإيصال المراد ، وذلك لأهمية علامات الإعراب خصوصاً وأن المصنف - يرحمه الله - لم يذكر البناء .
هذا الفصل لخص فيه الْمُصَنِّف - رحمه الله - ما تقدمه من أبواب ومسائل تتعلق بالمعربات ، وقدم الحركات على الحروف ؛ لأنها الأصل والحروف تنوب عنها .
وحاصله : أن الإعراب بالحركات يدخل على ثلاثة أمور :
الأول : المفرد من الأسماء .
الثاني : الجمع من الأسماء .
الثالث : الفعل المضارع .
هو أن يُشبه الحرف فيكون مبنياً لا معرباً وقد سبقت الإشارة إليه .
أن يُشبه الفعل فيكون ممنوعاً من الصرف ، والممنوع من الصرف له حكمان :
الأول : أن يمنع من التنوين .
الثاني : ألا يخفض بالكسرة .
ألا يشبه الحرف ولا الفعل فيكون متمكناً في باب الاسمية حَيْثُ يُعرب في حالة الرفع بالضمة وفي حالة النصْب بالفتحة وفي حالة الخفض بالكسرة .
وهو ما تكسر فيه بناء مفرده عند الجمع . مثاله : رجال ، كتب . إذ مفرد الأول : رجل ، ومفرد الثاني : كتاب . فتغيرا عند الجمع بزيادة في الثاني ونقص في الثاني . والتكسر في بناء المفرد عند جمعه إمَّا أن يكون بزيادة ، وإمَّا أن يكون بنُقْصان ، وإمَّا أن يكون بتغير الحركة كـ أَسَد ¬ أُسد . وهذا النوع من الجمع يكون مرفوعاً بالضمة ومنصوباً بالفتحة ومخفوضاً بالكسرة .
وهو ما سلم فيه بناء مفرده عند الجمع كـ (زينبات ، حبليات ) إذ الأول جمع : زينب ، والثاني جمع : حبلى . غير أن بعض اللُّغَويين ذهبوا إلى تسمية هذا النوع من الجمع بالجمع المزيد بألف وتاء لوجود التكسر في بعض مفرداته عند الجمع كما في المثال السابق ''الثاني'' وهو (حبليات) حَيْثُ قلبت الألف المقصورة ياء عند الجمع .
وهذا الجمع يُعرب بالضمة عند الرفع ، وبالكسرة عند النصْب والخفض . مثال النصْب : قولك (قرأت آياتٍ من كتاب الله ) ؛ إذ كلمة آيات جمع مزيد بالألف والتاء منصوبة بالكسرة الظاهرة على آخرها لأنها جمع مزيد بالألف والتاء . ومثال الخفض : قولك : (سمعتُ خمس آياتٍ من القرآن) فكلمة آيات مخفوضة بالكسرة الظاهرة على آخرها ؛ لأنها مضاف إليه .
فلَيْسَتْ معربة إلا الفعل المضارع إذا لم يلحق آخره شيءٌ ، وذلك إذا خلا من نون النسوة أو نون التوكيد أو أن يكون من الأمثلة السِّتة . وهو مقصود الْمُصَنِّف في قوله : (والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء) ومثاله (يضربُ) : حَيْثُ إِنها لخالية من نون التوكيد ، ومن نون الإناث ولَيْسَتْ على نسق الأمثلة السِّتة فتُعرب في حالة الرفع بالضمة وفي حالة النصْب بالفتحة وفي حالة الجزم بالسكون .
قوله (وكلها) : يعني مجموعها لا جميعها ؛ إِذْ إِنَّ الأفعال لا تُخفض والأسماء لا تُجزم . ولها استثناءات على ما ذكره الْمُصَنِّف بعد قوله (وخرج عن ذلك ثلاثة أشياء …… الخ .
وذلك أن الاسم غير المنصرف هو الاسم الذي لا يُنَوَّن وسُمِّيَ بالاسم المتمكن غير الأمكن ؛ إذا الاسم المعرب نوعان :
الأول :
متمكن أمكن وهو المنصرف .
الثاني :
متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف .
وإنما يمنع الاسم غير المنصرف من الصرف لأحد أمرين :
عِلَّة تقوم مقام علتين وهي نوعان :
الأول : ما كان آخره ألف مقصورة أو ألف ممدودة . ومثال المقصورة : حبلى ، ومثال الممدودة : صحراء .
الثاني : أن يكون على وزن مفاعل ومفاعيل كـ(مساجد ، و مفاتيح) .
هو ما اجتمعت فيه علتان : عِلَّة تتعلق باللفظ وأخرى تتعلق بالمعنى ، فالمتعلقة بالمعنى شيئان :
الأول : العَلَمية .
الثاني : الوصفية . وينضم إليها عللٌ لفظية .
فأما الوصفية فيقترن بها ثلاث عللٌ لفظية :
الأولى :
وزن الفعل، والمعنى أن يأتي الوصف على وزن الفعل أمر أو مضارع أو ماضي ، كـ أحمر ، أفضل ونحوهما .
الثانية :
زيادة الألف والنون في نحو : شبعان ، غضبان ونحوهما .
الثالثة :
العدل ومعناه : أن يكون الوصف قد عُدِل به عن لفظ الأصل وهو نوعان :
الأول : ما كان على وزن مفعل وفعال وهي العشر الأول من الأعداد كـ موحد ، مثنى ، ثلاث ، رباع . فهذه كلها معدول بها عن تكرار نفس العدد .
الثاني : أُخَر ، فإنها معدول بها من آخِر على قول .
وأما العَلَمية فتأتي معها عللٌ لفظية :
الأولى :
العدل وسبق معناه .
مثاله :
عُمر فهو عدل به عن عامر .
الثانية :
زيادة الألف والنون كـ عفان ، عثمان ، ونحوهما .
الثالثة :
أن يكون على وزن الفعل الماضي أو المضارع أو الأمر كـ أحمد وغيره .
الرابعة :
أن يكون أعجمياً وله شرطان :
الخامسة :
أن يكون مركباً تركيباً مزجياً كـ( بعلبك) ، إذ بعل : كلمة ، وبكّاً : أخرى ، فمُزِج بينهما فأصبحا كلمة واحدة .
وليُعْلم أن الممنوع من الصرف له حكمان :
الأول : ألا ينون .
الثاني : أن يكون خفضه بالفتحة نيابة عن الكسرة - وقد سبق ذلك - فإذا دخلت عليه (ال) أو (الإضافة) فإنه يُخفض بالكسرة لا بالفتحة مثاله (دخلت على أفضل الناس خلقاً) .
حروف العِلَّة ثلاثة : الواو ، الياء ، الألف . فإذا لحقت الفعل المضارع كان جزمه بحذف حرف العِلَّة .
مثاله :
لم يخشَ ، لم يقضِ ، لم يدعُ .
إنما أخر الْمُصَنِّف - رحمه الله - ذكر المعربات بالحروف لأنها بدلٌ عن المعربات بالحركات والبدل يأتي بعد الْمُبْدَل .
وهي (أبوك ، أخوك ، حموك ، ذو مال ، فوك) وهي تُعرب بالواو رَفْعاً وبالألف نصْباً وبالياء جراً . إذا توفرت فيها الشروط التالية .
ويُزاد على الأسماء الخمسة السابقة (هنوك) وهو اسم للفرج أو كناية عنه أو لما يُستقبح - قاله ابن هشام رحمه الله - غير أن الأصح فيه أن يُعرب بالحركات ويسوغ إعرابه إعراب الأسماء الخمسة .
وهي : (يفعلان ، تفعلان ، يفعلون ، تفعلون ، تفعلين) . حَيْثُ تُعرب بثبوت النون رَفْعاً ، وبحذفها نصْباً وجزماً . وذهب بعضٌ إلى أن الأحسن أن يُقَال عنها : الأمثلة ، لا الأفعال ؛ لأن : يفعلان ، تفعلان ، يفعلون ، تفعلون ، تفعلين لَيْسَتْ مقصودةً في ذاته كالأسماء الخمسة فكانت أمثلة . وذهب ابن هشام - رحمه الله - إلى أن يُقَال : الأمثلة السِّتة ؛ لأن تفعلان تأتي مع المذكر ومع المؤنث ، وارتضاه الأزهري في (التصريح) .
وهو كل اسم سلم بناء مفرده من التكسر عند الجمع بإضافة (ياء ونون) أو (واو ونون) إليه . مثاله : مسلم ß مسلمون . زَيْدٌ ß زيدون . ونحوهما . فهي تعرب بالواو رَفْعاً وبالياء نصْباً وجراً . مثل : جاء المسلمون . المسلمون : فاعل مرفوع وعلامة رَفْعه الواو نيابةً عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم . والنون عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد .
قوله (التثنية) فيه مباحث على ما يلي :
أولهما :
تعريفه من حَيْثُ اللُّغَة إذ المثنى لغة : العطف ، تقول ثنيت العود إذا عطفته . وقوله (التثنية) هو صفة مصدرية قصد بها : الاسم المفعول وهو المثنى .
ثانيهما :
تعريفه من حَيْثُ الاصطلاح : إذ هو كل اسم دلَّ على اثنين وأغنى عن متعاطفين بزيادة على مفرده .
فهذه قيودٌ ثلاثة :
الأول : '' كل اسم دَلَّ على اثنين '' ليخرج ما دَلَّ على مفرد أو جمع . ويدخل في ذلك كلمة (شفع ، زوج) ونحوهما .
والثاني : '' وأغنى عن متعاطفين '' إذ كلمة كتابان أغنى عن اسمين متعاطفين هما كتاب وكتاب .
والثالث : '' وبزيادة على مفرده '' ليخرج ما دَلَّ على اثنين لا بزيادة على مفرده كـ (شفع ، زوج) ونحوهما .
مثال ما ينطبق عليه التعريف :
جاء المدرسان ، حَيْثُ إِن كلمة المدرسان مثنى فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة ، والنون فيه عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد ، فهي دَلَّتْ عَلَى اثنين وأغنت عن مدرس ومدرس ، وجاءت فيها زيادة على مفردها وهي زيادة الألف والنون . وكلمة (المدرسان ، المدرس ) اسم لَيْسَتْ بفعل ولا حرف إذ المثنى لا يكون إلا اسماً .
ويتعلق به أشياء :
الأول :
أن المثنى يُعرب بالحروف لا بالحركات ، ففي حالة الرفع يكون إعرابه بالألف ، وفي حالة النصْب والخفض يكون إعرابه بالياء . فالألف نيابة عن الضمة ، والياء نيابة عن الفتحة والكسرة .
مثال حالة الرفع : (حضر الطالبان إلى المدرسة) . فكلمة (الطالبان) فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنها مثنى .
ومثال النصْب : (أعطيت المجتهدَيْنِ هديةً قيمةً) . فكلمة (المجتهدَيْنِ) مفعول به منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه مثنى .
ومثال الخفض : (أتيت بكتابَيْنِ نافعين) فكلمة (كتابَيْنِ) مثنى مخفوض بالياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى وهو هنا اسم مجرور بالياء .
الثاني :
أن (النون) في المثنى يؤتي بها زيادة على المفرد ، وفي حالة الإعراب يُقَال أنها عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد . مثال ذلك (جاء الزيدان) . فكلمة الزيدان : فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى والنون فيه عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد .
الثالث :
أن الإعراب السابق للمثنى له شروط :
أولها : أن يكون الاسم مفرداً ليُثنى ، فلا يُثنى المثنى ولا الجمع .
ثانيها : أن يكون الاسم نكرة لا معرفة عند تثنيته .
ثالثها : أن يكون مُعرباً فلا يكون مبنياً .
واستثنى من ذلك ( هذان ، هاتان ، اللذان ، اللتان ) . فالأول : اسم إشارة ، والثاني : من الأسماء الموصولة فهي ملحقة بالمثنى وإن كانت مبنية فتأخذ حكمه.
رابعها : أن يكون للاسم ثانٍ في الوجود ، وشذَّ عن ذلك الشمسان والقمران فقد ثنيا من باب التغليب أو السماع .
خامسها : أن يتفقا لفظاً كـ (زَيْدٌ و زَيْدٌ) يُقَال (الزيدان) .
سادسها : أن يتفقا معنى وخرجا عن ذلك (القلم أحد اللسانين)
سابعها: ألا يستغنيا بتثنية غيره عن تثنيته كـ(بعض) فإنه لا يثنى لأنه اكتفي بجزء عنه فيُقَال : جزءان ولا يُقَال (بعضان) .
ثامنها : أن يكون الاسم غير مركب وليستثنى من المركبات المركب الإضافي فإن صدره يثنى . مثال ذلك : غلاما زَيْدٍ في قولك (جاء غلاما زَيْدٍ) إذ كلمة (غلاما زَيْدٍ) تُسَمَّى بتركيب إضافي حَيْثُ أضيف الغلامان إلى زَيْدٍ ، فيتأثر الجزء الأول من هذا التركيب وهو كلمة (غلاما) فيثنى وإنما لم تثبت نون الغلامين للإضافة .
الرابع :
أن هناك كلمات ملحقة بالمثنى منها : (كلا ، كلتا) بشرط إضافة الضمير إليهما كـ(كلاهما ، كلتاهما) . مثال ذلك : (جاءت الطالبتان كلتاهما) . فكلمة (كلتاهما) مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى .
فيه مباحث على ما يلي :
وهو اصطلاحاً : كل اسم دَلَّ على أكثر من اثنين وأغنى عن متعاطفات بزيادة على مفرده . إِذْ إِنَّه يُخالف جمع التكسير حَيْثُ إِنه ما سلم بناء مفرده عند جمعه.
ومثاله : كلمة (المؤمن) عندما يُجمع فيُقَال (المؤمنون) .
فمثال الرفع : قوله تعالى : ] قد أفلح المؤمنون [ فكلمة ] المؤمنون [ فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة . ومثال النصْب قوله I
] إن المؤمنين والمؤمنات [ فكلمة ] المؤمنين [ منصوب بالياء نيابة عن الفتحة اسم إن . ومثال الخفض (التقيت بالمؤمنين حقاً) . فكلمة (المؤمنين) مخفوضة بالياء نيابة عن الكسرة ''اسم مجرور'' .
أن النون في جمع المذكر السالم أُتي بها عوضاً عن التنوين في الاسم المفرد ولذلك يُقَال في إعراب (جاء الصالحون) يُقَال في كلمة (الصالحون) جمع مذكر سالم مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنها فاعل والنون عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد .
أن ذلك الإعراب للجمع المذكر السالم له شروط هي شروط المثنى الثمانية وينضاف إلى ذلك ما يلي :
أن يكون الاسم دالاً على عاقل ، فكلمة (واشق) اسم لكلب و(واسق) اسم لفرس لا يصح جمعها ؛ لأنها تدل على غير عاقل .
أن يكون الاسم دالاً على مذكر ليخرج المؤنث .
أن يكون الاسم خالياً من تاء التأنيث كـ (طلحة) و(علاَّمة) فإنهما لا يُجمعان .
مما يُلحق بجمع المذكر السالم أمثلة ذكرها النحاة ومنها : أسماء العقود كـ(عشرين) فما فوق إلى (تسعين) فإنها ملحقة بجمع المذكر السالم ، ويُذكر ذلك في إعرابها .
مثال ذلك: (دخل المسجد عشرون مصلياً). فكلمة عشرون مرفوعة بالواو نيابة عن الضمة لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم (فاعل) .
سبق تعريف الفعل لغة واصطلاحاً ، وأن أنواع الكلمة أضربٌ ثلاثة .
وذكر الْمُصَنِّف يرحمه الله - ما يتعلق بإعراب الأفعال ، وإعراب الأسماء ، وقدَّم الأفعال على الأسماء هنا لعلتين :
الأولى : هو أنَّ الكلام على الأفعال أقل من الكلام على الأسماء فابتدأ به ليخلص من القليل إلى الكثير ، ومن الباب إلى الأبواب ، وهو مسلكٌ متبع عند الْمُصَنِّفين ، قاله الأزهري في [التصريح] .
الثانية : أن أصل الأسماء هو الأفعال عند الكوفيين ، والْمُصَنِّف - يرحمه الله - معدودٌ منهم ، ومِنْ ثَمَّ استحقت الأفعال التقديم .
وينضاف إلى تينك العلتين ما يذكره بعض الشُّراح من تعلق كثير من أبواب الأسماء الآتية بباب الأفعال الذي نحن بصدده فتعيَّن تقديمه .
وفيه مقاصد :
ويتعلق به شيئان :
طريقة الْمُصَنِّف في حَصْر جنس الْمُتَكَلِّم فيه وهي الأفعال ثُمَّ اتباع ذلك بمعرباته وعلاماته وما إلى ذلك وهي طريقة مستحسنة في التعليم ، قاله ابن هشام في [ المغني ] .
هو دليل ذلك الحَصْر إذ دَلَّ عليه دليلان :
أولاً :
دليل الاستقراء التام حَيْثُ استقرأ أئمة اللُّغَة أنواع الأفعال فوجدوها لا تخرج عن ثلاثة : ماض ومضارع وأمر . وهذا أمرٌ مجمع عليه . قاله السيوطي في (الأشباه والنظائر في النحو) .
ثانياً :
دليل النظر حَيْثُ سبق أن الفعل حدثٌ يتعلق بزمن ، والأزمان ثلاثة حقيقة واستقراء بإجماع العقلاء .
حَيْثُ يتعلق به شيئان :
معناه في اللُّغَة ؛ إِذْ إِنَّه بمعنى المتشابه . قاله في [ اللسان ] ومِنْ ثَمَّ قيل للفعل المضارع أنه مضارع لشبهه بالاسم من حَيْثُ كونه معرباً في أكثر أحواله وما إلى ذلك .
في زمنه ؛ حَيْثُ ذهب جمهور النحاة ، وبه جزم سيبويه : أن زمن المضارع يشمل زمن الحال وزمن الاستقبال فكلمة (يأكل) من جملة (يأكل مُحَمَّدٌٌ التفاحة) تتعلق بالزمن الحاضر ، وهو عند إيقاع تلك الجملة وبعدها وهو زمن الاستقبال .
إذ فيه دلالة على أنَّ فعل الأمر مستقل عن المضارع ، وعليه أكثر نسخ المتن ، قاله جمعٌ من الشُّراح كالرملي وغيره .
إذ هي أمثلة ، فالأول للفعل الماضي لتعلق الحدث بزمنه ، والثاني للفعل المضارع لتعلق الحدث بزمنه ، والثالث فعل الأمر لتعلقه بزمن الأمر .
وفيه مقصدان :
ويتعلق به شيئان :
اختلاف عبارة الْمُصَنِّف في بعض النسخ حَيْثُ جاء فيها (فالماضي يُبنى على فتح الآخر) وهي بنحو الأولى إلا أن فيها تصريحاً بالبناء . قاله الرملي في [شرحه].
في معنى الجملة السابقة إذ يُقْصَدُ بها : أنَّ الفعل الماضي يبنى على فتح آخره . فكلمة (ضرب) هي فعل ماض مبنى على الفتح . وعبارة الْمُصَنِّف تقتضي تقدير الفتح عند وجود العارض ؛ إِذْ إِنَّ الماضي يعرض له شيئان يغيِّران حركته السابقة في الظاهر :
أما الأول :
فهو ضمير الرفع المتحرك . ومثاله : تاء الفاعل من قولك (ضربْتُ) ، فاتصالها بالفعل الماضي يوجب تسكين آخره في الظاهر فعلى ظاهر عبارة الْمُصَنِّف تُعرب جملة (ضربتُ) كالتالي : ضرب : فعلٌ ماضي مبني على الفتح الْمُقَدَّر وسُكِّن لاتصاله بضمير الرفع المتحرك . وتاء الفاعلية : ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل .
وأمَّا الثاني :
فهو الواو في نحو قولك (ضربوا) إِذْ إِنَّها توجب ضم آخر الفعل الماضي عند اتصالها به ، ويكون الكلام عنها وفق ظاهر عبارة الْمُصَنِّف كالتالي : ضرب : فعل ماضي مبني على الفتح الْمُقَدَّر وضُمَّ آخره لاتصاله بالواو فكانت حركةً مناسبةً له (للواو) . والواو : ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل. فحينئذ تكون حركة الفعل الماضي ظاهرة ومقَدَّرة .
الثقل ؛ وذلك إذا اتصل بالفعل الماضي ضمير الرفع المتحرك . ووجه هذه العِلَّة : هو استثقال العرب الجمع بين أربع حركات فأكثر فيما هو في الكلمة الواحدة . فكلمة (ضربْتُ) أصلها عندهم (ضَرَبَتُ) بفتحات آخرها ضَمٌ ، فهذه أربع حركات .
وكذلك يُقَال في الرباعي كـ (أخرجتُ) ، وإنما وقع التسكين على آخر الفعل المتصل به ضمير الرفع المتحرك لأنه الأنسب ، فلو وضع التسكين على أول الفعل لما استُطيعَ النطق به ، ولو وضع على وسطه لاختلف الوزن الصرفي ، ولما عُرف وزن الفعل فناسب وضع التسكين على آخره .
فهو انشغال المحل بالحركة المناسبة . فكلمة (ضربوا) الأصل في البناء بناؤها على الفتح الظاهر فلما لحقتها الواو ناسب أن تُضَمَّ ، لأن الواو لا يناسبه الفتح .
غير أنَّ سيبويه وجمهور البصريين على أن الفعل الماضي له ثلاث حالات في البناء :
الفعل الماضي المقصور نحو (هدى ، حمى) هل حركة البناء فيه مُقَدَّرة - وهي الفتح - أن أنه مبني على السكون ؟
قولان :
حَيْثُ يتعلق به شيئان :
اختلاف نسخ المتن في ذلك ، فجاء في بعضها : (والأمر ساكن أبداً ) ، وهو أصرح في البناء خلافاً لقوله (مجزومٌ أبداً ) فإنه قد يفهم منه أن الأمر معرب ولَيْسَ مبنياً ، لأن كلمة الجزم تستعمل مع المعربات خلافاً للمبنيات فلا تستعمل معها . قاله الأزهري في [ التصريح ] .
في حكم فعل الأمر ، حَيْثُ إِن ظاهر عبارة الْمُصَنِّف تفيد أنه على حالة واحدة وهي السكون كما في بعض النسخ .
غير أن الاستعمال العربي جاء على خلاف ذلك فمرة يكون الأمر مبنياً على حذف حرف العِلَّة أو النون كما في الأمثلة السِّتة إلى غير ذلك ؛ ولذا فأحسن مذاهب أهل في ذلك أن يُقَال : الأمر يبنى على ما يجزم عليه مضارعه .
مثال ذلك : اضرب المجرم .
فكلمة (اضرب) فعل أمر مبني على السكون ، لأن المضارع منه (يضرب) إذا جُزم سُكِّن فيُقَال (لم يضربْ) فكذلك يكون الأمر في حركة البناء .
مثال آخر : (ارم السلاح) .
فكلمة (ارم) فعل أمر مبني على حذف حرف العِلَّة ؛ لأن مضارعه (يرمي) إذا جُزِم جُزِم على حذف حرف العِلَّة كما في قولك (لم يرم السلاح) .
ذكر جماعة من النحاة قَيْدين في حكم فعل الأمر المختار :
فهو أن يكون المضارع غير مبني ، أي يكون قابلاً للجزم ، ويخرج عن ذلك شيئان :
فيه مقاصد :
حَيْثُ يتعلق به شيئان :
سبب التسمية ، حَيْثُ سُمِّيَت بالزوائد ؛ لأنها زائدة على الفعل الماضي . فكلمة (أضرب المجرم) الهمزة في (أضرب) زائدة على الماضي منه ؛ إِذْ إِنَّ ماضي (أضرب) : ضرب .
هو أنها أربعة أحرف : الهمزة ، والنون ، والياء ، والتاء . ودلَّ على ذلك الاستقراء التام ، قاله السيوطي في [ الأشباه ] .
حَيْثُ يتعلق به أشياء ثلاثة :
أنه من عادة الْمُصَنِّفين تسهيلاً أن يجمعوا المتناثر في كلمة أو جملة ، لأنه أدعى لحفظه ، وعدم تفلته ، ومِنْ ثَمَّ جمع الْمُصَنِّف الأحرف الأربعة الزائدة في المضارع في كلمة (أنيت) .
في معنى كلمة (أنيت) حَيْثُ يُقْصَدُ بها : أدركت . قاله صاحب [القاموس] وغيره .
في أن النحويين جمعوا الأحرف الأربعة الزائدة في المضارع في أكثر من كلمة (أنيت ، نأتي ، يأتن ، نأيت : أي ابتعدت) . غير أن الْمُصَنِّف - يرحمه الله - اقتصر على( أنيت) تفاؤلاً بإدراك الطالب بغيته من هذا المتن المبارك . قاله بعض الشراح .
حَيْثُ يتعلق به أشياء :
أن الأصل في المضارع أنه مرفوعٌ أبداً سواءٌ أكان رَفْعه بالضمة الظاهرة أو الْمُقَدَّرَة أو بثبوت النون كما في الأمثلة السِّتة وغير ذلك .
أن عِلَّة رَفْع المضارع هو تجرده عن الناصب والجازم .
الأول :
عللٌ لفظية كحرف الجر مع الاسم المجرور وهي الأكثر .
والثاني :
عللٌ معنوية وهي شيئان :
النواصب واحدها ناصب ، وسبق الكلام عنه .
لها توجيهان :
أما الشرط الأول :
فهو أن تكون مصدرية لا موصولية ونحو ذلك . ومعنى كونها مصدرية أي أنها مع الفعل التي تدخل عليه بمصدر . كقولك : (أن تقول) أي : (قولك) لأنَّ (تقول) : فعل مضارع من : قال يقول قولاً - التصريف الثالث للفعل الذي يُسَمَّى مصدراً - ؛ ولذلك قيل (قولك) .
وأما الشرط الثاني :
ألا تكون مسبوقة بعلم يقيني بل يكون ما قبلها أحد شيئين :
أحسب : أي أظن أن يقولوا : أصلها : يقولون ، فهو فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأمثلة الستة .
فالطمع لا علاقة له باليقين ولا بالرجحان ؛ ولذلك عملت (أن) في الفعل الداخلة عليه نصْباً .
وهي حرف نَصْب ونفي واستقبال ، أما كونها حرف نَصْب فظاهر ، وأما كونها حرف نفي ؛ فلأنها تنفي ما دخلت عليه ، وأما كونها حرف استقبال ؛ فلأنها تجرد ما بعدها للمستقبل كقولك : (لن أدخل البيت) أي في المستقبل . وهي إذا دخلت على الفعل المضارع نصبته .
وهو حرف نَصْب وجواب وجزاء ، أما كونه حرف نَصْب فظاهر ، وأما كونه حرف جواب ؛ فلأنه يأتي في صدر الجواب ، وأما كونه حرف جزاء ؛ فلأنه يؤتى به جزاء الشيء .
مثال كونه كذلك :
(إذن أُكْرِمَك يا مُحَمَّدُ) جواباً وجزاءً لقوله : (سآتيك يا زَيْدُ في بيتك ) .
وحتى تكون (إذن) ناصبة فلابد من شروط :
فإذا قلت في المثال السابق : (إذن يا مُحَمَّدُ أُكرمك) فعلى قولٍ ترفع الفعل ، لأنه فُصِلَ بين (إذن) والفعل (أكرمك) بالنداء ، خلافاً ما إذا قلت : (إذن والله أكرمك ) فتنصب (أُكرمك) ، لأنه فصل بين (إذن) والفعل بقسم .
وهي تعمل النصْب إذا كانت بمنْزلة (أن) المصدرية ، لكن لابد من وجود (لام كي) معها إما ظاهراً أو تقديراً كما في قوله تعالى ] لكيلا تأسَوا [ ، فـ(تأسَوا) : منصوبة . وكذلك : ] كي لا يكونَ دُولَةً [ ، (لا يكون) : منصوبة ، وتقديرها كما في قولك (كي آخذ الكتاب) أي لكي .
ولكي تنصب (كي) الفعل دون وجود لام كي ظاهرة فلابد من شرطين :
وأما غير هذه النواصب الأربعة فلا تنصب بنفسها وإنما بـ (أن) مضمرة قبلها وهي على نوعين :
النوع الأول :
ما أُضمرت (أن) قبله جوازاً ، وهو حرف واحد عَبَّرَ عنه الْمُصَنِّف بقوله : (ولام كي) يعني (لام التعليل) . كقولك : (أتيت المكتبة لآخذ الكتاب) . فآخذ : منصوب . أو (لأكتب كذا وكذا) فهو أَيْضاً لدخول لام كي عليه . والأصل أن يُقَال : منصوب بـ(أن) مضمرة أو مُقَدَّرة جوازاً.
والنوع الثاني :
ما أضمرت (أن) قبله وجوباً ، وهي بقية الأحرف التي ذكرها الْمُصَنِّف . ولها شروط وقيود تأتي في المطولات - إن شاء الله تعالى - .
والجوازم واحدها جازم - وسبق تعريفه - وهو يعني هنا جوازم الفعل المضارع .
هذا عددها على سبيل التفصيل ، على ما عَدّها الْمُصَنِّف بعدُ .
فجوازم تجزم فعلاً واحداً وهي ستة جوازم :
فأما (ألم ، ألَمَّا) فهما (لم ، لَمَّا) لكن بإضافة همزة التقرير .
و(لم ولّمَّا) يشتركان في أمور :
مثال ذلك : (لم يدخل زَيْدٌ المسجد) . حَيْثُ نفي الدخول إلى المسجد من قبل زَيْدٍ.
وأما لام الطلب فنوعان :
ومثالها : (لتأخذْ دين الله بقوة يا زَيْدُ) . فـ (تأخذ) : فعل مضارع مجزوم بلام الأمر ، حَيْثُ أمرت زيداً بذلك .
كقوله تعالى حكايةً ] ليقضِ علينا ربك [ . فـ (يقضِ) فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العِلَّة .
وأما (لا) الطلب فنوعان :
كقوله : ] لا تدعُ مع أحداً [ . فـ (تدعُ) فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العِلَّة .
كقوله حكاية : ] لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ . فـ ( تؤاخذنا ) فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الدعاء .
لام الدعاء ، ولا الدعاء هي : (لام) أمر ، و(لا) أمر ، ولكن فُرِّق بينهما فقيل (لام) أمر ، و(لام) دعاء ، وقيل (لا) نهي ، و(لا) دعاء ؛ تأدباً مع المدعو وهو الله U .
فما يجزم فعلين ، الأول : يُسَمَّى بـ(فعل الشرط) ، والثاني : يُسَمَّى بـ(جواب وجزاء الشرط) ، وتُسَمَّى أدواته بـ(أدوات الشرط) ، وهي بقية الأدوات التي ذكرها الْمُصَنِّف بقوله : (وإن … الخ ) .
وهي على أربعة أنواع :
مثاله: (إن تقُمْ يا زَيْدُ أقُمْ ) فـ (تقم) فعل مضارع مجزوم بـ (إن) ؛ لأنه فعل الشرط ، جزاؤه وجوابه (أقم) ، فكلمة (أقم) فعل مجزوم ؛ لأنه جواب وجزاء فعل الشرط في (إن تقم) .
كقول بعضهم في جملة : (إذما تدخل إلى المسجد أدخل) . فـ (إذما) حرف لا مَحَلّ له من الإعراب . (تدخلْ) فعل الشرط مجزوم . (أدخل) جواب وجزاء فعل الشرط في (إذما تدخل) وهو مجزوم كذلك .
كما قال امرؤ القيس في معلقته الشهيرة :
أغرَّكِ مني أنَّ حبـكِ قاتلي وأنكِ مهما تأمري القلب يفعلِ
(مهما) :اسم تعمل الجزم فيما دخلت عليه .
(تأمري) : فعل مجزوم بـ (مهما) .
(يفعل) : جوابه وجزاؤه مجزوم .
المرفوعات : واحدها (مرفوع) وهو ما أحدث العامل فيه رَفْعاً ، وله علامات كـ (ضمة) و(واو) وغيرهما كما سبق .
وبعد أن ذكر الْمُصَنِّف - يرحمه الله - ما يتعلق بالأفعال رَفْعاً ونصْباً وجزماً بدأ في الأسماء وذكر ما يتعلق بها ، وابتدأ بالمرفوعات ؛ لأنها مقدمة على غيرها من منصوبات ومخفوضات ؛ إذ هي الأصل في الأسماء .
إنما عَدّها الْمُصَنِّف سبعة بدليل الاستقراء التام حَيْثُ إِنها لا تخرج عن ذلك ، قال السيوطي في [الأشباه والنظائر] : أجمع النحاة على أن المرفوعات سبعة .
ومِنْ ثَمَّ يبين أن دليل الحَصْر شيئان :
هذا شروعٌ في ذكر تلك السبعة . وقد ذكرها الْمُصَنِّف - يرحمه الله - على جهة الإجمال ثُمَّ فصَّل الكلام بعد عن كلٍ منها ، وهي طريقة حسنة يُسَمِّيها البلاغيون بـ (اللف والنشر) ؛ إذ لُف الكلام وجُمع ثُمَّ نُشر وبُيِّن .
في هذه الجملة تعريف للفاعل من جهة الاصطلاح ، وقد عَرَّفه الْمُصَنِّف - يرحمه الله - ببعض صفاته ؛ إذ من صفات الفاعل أنه اسم ، وأنه مرفوع ، وأن فعله سابق له .
والفاعل يُعَرَّف من جهتين :
أما الأولى: فجهة اللُّغَة : إذ هو مَنْ فَعَلَ الفعل وأَحْدَثَهُ - يُقَال هذا فاعل الْجُرم أو محدثه .
والثانية : من حَيْثُ الاصطلاح ، ويُعَرَّف بأنه اسم صريح أو مؤول به سُبق بفعل أو مؤول به مرفوع أَحْدَثَ الفعل أو قام به .
وهذا التعريف يشمل قيوداً :
أنه اسم فيخرج الفعل والحرف .
أنه يأتي على صورتين :
الأولى :
أن يكون صريحاً ويشمل نوعين :
ومثال هذه الصورة : (جاء زَيْدٌ إلى المسجد متفقهاً) . و(قمت إلى الكتاب قارئاً).
فكلمة (زَيْدٌ) في الجملة الأولى : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره.
وحرف التاء في (قمت) : مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل .
وأما الصورة الثانية :
فهو أن يكون مؤولاً بالصريح وذلك مع أحرف :
ومثال الأول : (سرني أنك جئت) ؛ حَيْثُ إِن جملة (أنك جئت) تؤول بمصدر من جنس الفعل الموجود وهو : (جئت) فيكون التقدير (سرني مجيئك) ؛ إذ كلمة (مجيء) فعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره . والكاف مضاف إليه .
ومثال الثاني : (سرني أن جئت يا مُحَمَّدُ) ؛ حَيْثُ إِنَّ (أنْ) تُسبك مع الفعل الداخلة عليه بمصدر بنحو ما سبق . فيكون التقدير (سرني مجيئك يا مُحَمَّدُ) . والفاعل كلمة (مجيء) وهي مضاف ، والكاف : مضاف إليه .
ومثال الثالث : (سرني ما صنعت يا مُحَمَّدُ) ، حَيْثُ إِنَّ (ما) هنا مصدرية تُسبك مع ما بعدها بمصدر من جنس الفعل الداخلة عليه ، والتقدير (سرني صنعك يا مُحَمَّدُ) ؛ حَيْثُ إِن كلمة (صُنْع) فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف ، والكاف : مضاف إليه .
هو سَبْق فعل الفاعل للفاعل فلا يتقدم الفاعل على فعله ؛ لأنه إذا تقدم كان مبتدأً لا فاعلاً .
مثاله : (جاء زَيْدٌ) .
حَيْثُ إِن كلمة (زَيْدٌ) : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
والفعل (جاء) : سابق له.
فإن قيل (زَيْدٌ جاء) : كانت كلمة (زَيْدٌ) مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره . وخبره : الجملة الفعلية وهي (جاء هو) يعني زيداً .
هو أن الفعل السابق للفاعل يأتي على صورتين :
الأولى :
كونه صريحاً كـ (خذ) (جاء) (يأخذ) .
الثانية :
أن يأتي مؤولاً من الصريح .
مثاله : ] لاهيةً قلوبُهم [ - على قول - إذ تقدير الآية (تلهو قلوبهم) - كذا يقول البعض - والصواب (لهت قلوبهم) ؛ لأن الضمير في تلهو هو الفاعل خلافاً لـ (لهت) فالقلوب فاعل .
أن يكون الفعل مع الفاعل على إحدى صورتين :
الأولى :
أن يكون الفعل قائماً بالفاعل كـ (مات زَيْدٌ) ؛ إذ فعْل الموت قائم بزَيْدٍ .
والثانية :
أن يكون الفاعل مُحْدِثاً للفعل كـ (ضرب زَيْدٌ عَمْراً) ؛ إذ فعل الضرب كان من الفاعل زَيْدٌ .
جعل الْمُصَنِّف الفاعل على قسمين :
وقد مَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بـ (زَيْدٌ) و(الزيدان) و(الزيدون) و(الرجال) و(هند) وغيرها . وسبق بيانه في تعريف الفاعل اصطلاحاً ، وبه يتبين أن الفاعل قد يكون مفرداً ، وقد يكون جمعاً بأنواع الجمع .
والمقصود به ما كان ضميراً ، والضمير نوعان:
وقد ذكر الْمُصَنِّف - يرحمه الله - على ذلك أمثلة بقوله : (ضربت ، ضربنا) حَيْثُ كلمة (ضربتُ) التاء فيها ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل ، وكذلك (ضربنا ، وضربتَ) .
فـ(ضربتما) التاء فيها ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل ، والميم والألف دليل على التثنية .
وكلمة (ضربتن) التاء فيها ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل . والنون دليل على التأنيث والبناء .
ويُفرِّق النحاة وغيرهم بين ما استتر جوازاً وبين ما استتر وجوباً : بأن المستتر وجوباً ما لا صورة للفظه في الكلام خلافاً للجائز فقد يكون له صورة . ففاعل (خذ) لا صورة للفظه في جملة (خذ الكتاب) ، خلافاً لفاعل (جاء) في (زَيْدٌ جاء) فقد يكون له صورة بنحو (زَيْدٌ جاء هو) أو (زَيْدٌ جاء زَيْدٌ) .
هذا الباب له تسميتان :
ويُعَرَّف المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله أو نائب الفاعل بما ذكره الْمُصَنِّف - يرحمهُ الله - بقوله (وهو الاسم المرفوع الذي لم يذكر معه فاعله) .
ومثاله : (ضُرِبتْ هِندٌ) حَيْثُ أُسنِد الفعل إلى المفعول ، وقام المفعول مَحَلّ الفاعل ؛ إذ أصل (ضُرِبتْ هِندٌ) ï (ضرب زَيْدٌ هنداً) فلما حُذِف (زَيْدٌ) الذي هو فاعل حقيقة أُسنِد الفعل إلى المفعول - فأُنِّث الفعل حتى يوافق تأنيث المفعول فقيل (ضُرِبتْ) ؛ وإنما كان ذلك كذلك لأن الفاعل عمدة في الجملة الفعلية ، لابد من وجوده ، فإن لم يكن موجوداً أنيب عنه غيره ، كالمفعول به في المثال السابق .
ويُعَرَّف نائب الفاعل بنحو ما ذُكِر في تعريف الفاعل من كونه اسماً صريحاً أو مؤولاً …الخ .
مثاله : ضُرِبَ - بضم أوله وكسر ما قبل آخره - وهذا هو الأصل في الماضي ، ويُلحق به (قيل) و(جيء) و(مُدَّ) ، فهي وإن لم يُكسر ما قبل آخرها بنحو (قيل) فلها حكم ذلك . وأما (شُدَّ) فأصلها (شُدِدَ) بكسر الدال الأولى ، وهذا موافق لما ذكره الْمُصَنِّف .
ومثاله (يُضْرَب) - بضم أوله وفتح ما قبل آخره - ويُلْحَق به (يُقَال) و(يُشَدَّ) ونحوهما .
وإنما يُبنى الفعل هنا للمجهول لأحد علتين :
فعِلَّة لفظية كقولك : (وعُجِنت بالظرافة طينته) بعد قولك (وبانت لنا ظرافته) وذلك حتى تكون السجعة واحدة . فكلمة (ظرافته) فاعل في جملة (وبانت لنا ظرافته) خلافاً لآخر الجملة الثانية وهي (طينته) ؛ إذ هي مفعول به ، فلو قيل (طينتَه) لاختلفت السجعة فَبُنِي الفعل للمجهول حتى تكون كلمة ''طينته'' مرفوعة .
فهي عِلَّة معنوية كالجهل بالفاعل ونحو ذلك في قولك : (سُرِق المتاعُ) .
سبق معنا الظاهر والمضمر في الفاعل .
فجملة (ضُرِب زيدٌ) :
ضُرِبَ : فعل ماض مبني للمجهول بناءه على الفتح لا مَحَلّ له من الإعراب .
زَيْدٌ : اسم مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره لأنه نائب فاعل أو مفعول لم يُسَمَّ فاعله .
وجملة (ضُرِبْتُ) :
ضُرِبَ : فعل ماضٍ مبني للمجهول بناءه على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك .
والتاء : ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع على أنه نائب فاعل أو مفعول لم يُسمَّ فاعله .
يتعلق بهذه الجملة شيئان :
قوله : (باب المبتدأ والخبر) ؛ حَيْثُ جعله بعد الفاعل ونائبه ، وجمهور النحاة يُقدِّمون (باب المبتدأ والخبر) على جميع المرفوعات لعلتين :
فيتعلق بتعريف لغوي لكلمتي (المبتدأ والخبر) .
فأما كلمة (المبتدأ) فمشتق من الابتداء ، تقول : ابتدأتُ الشيء ، أي دون معالجة سابقة - معالجة بمعنى مفاعلة - للشيء ، قاله الأزهري في [التهذيب] .
وأما كلمة (الخبر) فمشتقة من الإخبار - كذا قال بعضهم - وجمهور أئمة اللسان على أنه مشتق من مادة (خَبَرَ) وله معانٍ ، ومنها : الإنباء ، تقول : أخبرتُ فلاناً بما في نفسي إذا أنبأتَهُ به .
هذه الجملة يتعلق بها شيئان :
أنه تعريف اصطلاحي للمبتدأ ، وللنحاة فيه عبارات منها : قول ابن هشام : المبتدأ هو الاسم المرفوع المجرَّد عن العوامل اللفظية للإسناد .
فهو أنَّ تعريف الْمُصَنِّف - يرحمه الله - السابق يشمل قيوداً :
وحقيقة (العوامل اللفظية) : تَقَدُّم لفظٍ على آخر يعمل فيه من جهة الإعراب .
مثاله :
(زيدٌ) في جملة (ضرب زيدٌ عَمْراً) . فهي اسم مرفوع لكن أثر فيه عامل اللفظ - وهو الفعل - فكان فاعلاً لا مبتدأً .
مثال ثان :
كلمة (محمدٌ) في جملة (كان محمدٌ مجتهداً) . حَيْثُ إِنها اسمٌ مرفوع لعامل لفظي وهو (كان) فليست مبتدأ .
يتعلق به شيئان :
فهو أن هذه الجملة تعريفٌ اصطلاحي للخبر ، وللنحاة فيه عبارات .
فهو أنه يشتمل على قيود :
مثاله :
الجملة الفعلية في قولك : (زَيْدٌ قَامَ) أَيْ : هو ، فأسندتَ إِلى زيد فعل القيام ، وحصل بذلك الإخبار عنه به .
عند إعراب الجمل الخبرية ينبغي مراعاة قَيْد (الإسناد) ؛ إِذْ هو أهم علامة للخبر يُكشَف بها ، ويُعْرَف .
فمثلاً :
جملة (الأخيار الأبرار جاءوا) . الخبر كلمة (جاءوا) ، وأما كلمة (الأبرار) فليست خبر للكلمة التي سبقتها ، وإنما أُخِذَ ذلك بدلالة الإسناد ؛ إِذ (المسند) هو المجيء ، فكان خبراً عن مبتدأ .
يتعلق بها شيئان :
فهو أن هذه الجملة توضيحية لما سبقها ، وهو توضيح بالمثال .
ففيها ثلاثة أمثلة :
إعرابه :
كلمة (زيد) : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره للابتداء .
كلمة (قائم) : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
إعرابه :
كلمة (الزيدان) : مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى ، ورافعه الابتداء ، و(النون) نيابة عن التنوين في الاسم المفرد .
وكلمة قائمان : خبر مرفوع بالألف لأنه مثنى ، و(النون) نيابة عن التنوين في الاسم المفرد .
إعرابه :
كلمة (الزيدون) : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع سلامة مذكر و(النون) فيه عوض عن التنوين في الاسم المفرد .
وكلمة (قائمون) : خبر المبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع سلامة مذكر و(النون) فيه عوض عن التنوين في الاسم المفرد .
يجب أن يوافق الخبر المبتدأ في تذكيره وتأنيثه وفي جمعه وإفراده وتثنيته ، وإلى هذا أشار الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بالأمثلة الثلاثة السابقة .
يتعلق به شيئان :
فهو ذكر قسمة المبتدأ وأنَّه يرجع إِلى قسم ظاهر ، وقسم مضمر .
ودليل القسمة شيئان :
فيتعلق بتوضيح كلمة (ظاهر ومضمر) وقد سبق .
يعني من الأمثلة الثلاثة السابقة .
فيه ذِكرٌ للمضمرات وهي ترجع إِلى ثلاثة أشياء :
ضمير الخطاب والتكَلُّم كـ (أنا ، ونحن) .
حَيْثُ إِنَّ كلمة (أنا) ضمير مبني على السكون في مَحَلّ رفع مبتدأ .
(زيد) : خبره مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
فكلمة (نحن) : مبنية على الضم في مَحَلّ رفع مبتدأ .
وجملة (أهل خير) خبر المبتدأ .
ضمير المخاطبة كـ(أنتَ) ، و(أنتِ) ، و(أنتما) ، و(أنتم) ، و(أنتنَّ) .
(أنتَ زيدٌ) .
فـ(أنت) : ضمير مبني على الفتح في مَحَلّ رفع مبتدأ .
(زيد) : خبره مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
ضمير الغيبة كـ (هو) ، و(هي) ، و(هما) ، و(هم) ، و(هنَّ).
قولك : هو زيدٌ .
فكلمة (هو) : ضمير مبني على الفتح في مَحَلّ رفع مبتدأ .
وزيد : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
فيه إيضاحٌ بالمثال للقسم الثاني وهو المضمر ، وسبق .
يتعلق به شيئان :
فتقسيمه الخبر إِلى ذينك القسمين ، ودليله : الاستقراء .
فيتعلق بمعنى كلٍ ، فكلمة (مفرد) يُقْصَدُ بها : ما لم يكن جملة كـ (زيد) في جملة (هو زيد) .
فيشمل نوعين :
فالجملة ، وهي نوعان :
جملة اسمية ، مَثَّلَ لَهَا الْمُصَنِّف بقوله : (زيد جاريته ذاهبة) .
فكلمة (زيد) : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
والجملة الاسمية (جاريته ذاهبة) : خبرٌ لـ (زيد)
الجملة الفعلية ، ومَثَّلَ لَهَا الْمُصَنِّف بقوله : (زَيْدٌ قَامَ أبوه) .
إِذْ كلمة (زيد) : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
والجملة الفعلية (قام أبوه) : خبرٌ لـ(زيد) .
فشبه الجملة ، وهو نوعان :
فالجار والمجرور ومَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّف بقوله : (زَيْدٌ في الدَّارِ) .
فكلمة (زيد) : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
وشبه الجملة المكون من الجار والمجرور (في الدار) : خبرٌ لـ (زيد) .
الظرف وهو نوعان :
ومَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بقوله : (زيد عندك) .
فكلمة (زيد) : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
وشبه الجملة المكون من ظرف المكان : خبرٌ لـ (زيد) .
أن الخبر إذا كان جملة ولَيْسَ في معنى المبتدأ فلابد من رابط بينه وبين المبتدأ يربطه بالمبتدأ .
حَيْثُ إِن كلمة (زَيْدٌ) : مبتدأ خبره الجملة الفعلية وهي : (قام أبوه) والرابط بينها وبين المبتدأ الضمير في كلمة ( أبوه) لأنه يعود على المبتدأ - أي (أبو زَيْدٍ) .
فـ (لباس) : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف .
و(التقوى) : مضاف إليه مخفوضة بالكسرة الْمُقَدَّرَة على آخره منع من ظهورها التعذر .
وجملة (ذلك خيرٌ) : مُكَوَّنَة من مبتدأ ثانٍ ، وخبر له في مَحَلّ رَفْع خبر للمبتدأ الأول وهو (لباس) ، والرابط بين هذه الجملة والمبتدأ موجودة في كلمة (ذلك) وهو ما يُسَمَّى عند النحاة برابط الإشارة ؛ لأن كلمة (ذلك) اسم إشارة فيها إشارة إلى شيء وهو (لباس) فحصل الربط .
فكلمة (الحاقة) الأولى : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
(ما الحاقة) : جملة اسمية مُكَوَّنَة من مبتدأ ثانٍ وهو (ما) وخبرٌ وهو (الحاقة) وهذه الجملة الاسمية في مَحَلّ رَفْع خبر للمبتدأ الأول ، والرابط بينها وبين المبتدأ الأول هو إعادة المبتدأ بلفظه .
إنما يكون الرابط متيقناً وجوده بشرطين سبق الإشارة إليهما :
أن يكون الخبر جملة اسمية أو فعلية ، فإذا لم يكن جملة فلا رابط حينئذٍ .
أن لا يكون الخبر في معنى المبتدأ ؛ إذ لو كان في معنى المبتدأ فلا رابط بينهما؛ لأن الجميع بمعنىً ، مثاله : قول الله U
] قل هو الله أحد[ .
كلمة (هو) : مبتدأ .
(الله أحد) : جملة اسمية مُكَوَّنَة من مبتدأ ثانٍ - وهو كلمة (الله) - وخبرٍ له - وهو كلمة (أحد) - ولا رابط حينئذٍ ؛ لأن كلمة (هو) تُسَمَّى عند النحاة بـ (ضمير القصة والشأن) ومعناه تقديراً : الشأن الذي هو الله أحد ، كان كذلك (هو الله أحد) .
قد يَتَعَدَّدُ الخبر للمبتدأ الواحد .
مثاله :
قولك : (زيدٌ شجاعٌ كاتبٌ) .
فكلمة : (زيدٌ) مبتدأ له خبران :
ومن الأمثلة : قوله تعالى : ] وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [ .
فالمبتدأ كلمة : (هُوَ) ، لها أكثر من خبر :
هذا الباب عقده الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بذكر ما يدخل على المبتدأ أو الخبر من عوامل تُغيِّر حكمه السابق من كونه مرفوعاً بالابتداء في المبتدأ ، وبالرفع في الخبر وتُسَمَّى تلك العوامل بـ (النواسخ) عند جمهور النحويين ، وكلمة (النواسخ) : جمع ناسخ ، والناسخ هو الرافع المزيل ، تقول : نسخت الشمسُ الظل ؛ إذا أزالته ورفعته - قاله الجوهري في (الصحاح) - .
وتلك العوامل والنواسخ ترجع إلى أشياء ثلاثة بدليل الاستقراء لكلام العرب.
يتعلق بهذه الجملة شيئان :
فحَصْر الْمُصَنِّف - يرحمه الله - العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر بثلاثة أشياء . ودليله الاستقراء الصحيح - قاله السيوطي في (الأشباه) - .
ذِكْر الْمُصَنِّف للعوامل الثلاثة وهي نوعان :
أفعال وهي شيئان :
فحروف وهي : إنَّ وأخواتها .
تتعلق بقوله : (وأخواتها) ؛ إذ المعنى نظائرها ، وسيأتي ذكر نظير (كان) و(إنَّ) و(ظننت) .
المبتدأ أو الخبر يتغير حكمهما بدخول العوامل الثلاثة فـ(كان) ترفع المبتدأ بغير ما رُفِعَ به قبلُ وهو الابتداء ، وتنصب الخبر بعد أن كان مرفوعاً ، وعامل (إنَّ) ينصب المبتدأ بعد أن كان مرفوعاً ، ويرفع الخبر بغير ما رُفِعَ به سابقاً ، وكذلك عامل (ظَنَّ) فإنها تنصب المبتدأ والخبر .
وللمبتدأ والخبر اسم يتعلق بهما عند دخول تلك العوامل الثلاثة فيُسَمَّى المبتدأ اسماً وفاعلاً مع (كان وأخواتها) ، ويُسَمَّى مع (إنَّ وأخواتها) اسماً فقط ، ويُسَمَّى مع (ظَنَّ وأخواتها) مفعولاً أول .
وأما الخبر فيُسَمَّى مع (كان وأخواتها) ، و(إنَّ وأخواتها) خبراً لاسم (كان وأخواتها) أو (إنَّ وأخواتها) لا خبراً للمبتدأ فاختلفت تسميته عما كان ، ويُسَمَّى مع (ظَنَّ وأخواتها) مفعولاً ثانياً .
هذه الجملة تتعلق بحكم (كان وأخواتها) وهي أنها تعمل عملين :
فيتعلق بـ (اسم المبتدأ والخبر) إذ يتغير اسم المبتدأ إلى اسم (كان) ، واسم الخبر إلى خبر اسم (كان) وسبق .
يتعلق بالإعراب حَيْثُ إِن اسم (كان) يسبق مرفوعاً بـ (كان) لا بالابتداء وسبق ، وخبره يكون منصوباً .
قولك : (كان زيدٌ قائماً ) .
إعرابه :
كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح .
زَيْدٌ : اسم (كان) مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
قائماً : خبر اسم (كان) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
يتعلق بهذه الجملة شيئان :
فذكر (كان وأخواتها) حَيْثُ إِن أخواتها ثلاثة عشر : أمسى ، وأصبح ، وأضحى ، وظل ، وبات ، وصار ، ولَيْسَ ، وما زال ، وما انفك ، وما فتئ ، وما برح ، وما دام .
أن أخوات (كان) على أقسام من حَيْثُ عملها عمل (كان) :
فما يعمل عمل (كان) بشرط تقدم (ما) المصدرية الظرفية عليه ، وهو فعل (مادام) حَيْثُ تقدم عليها (ما) .
ومعنى كون (ما) مصدرية يعني تؤول بـ مصدر من الفعل (دام) وهو الدوام . ومعنى كونها ظرفية يعني تُقَدَّر بظرف زمان .
قول الله U حكاية : ]ما دمت حياً[ ؛ إذ التقدير مدة دوامي حياً .
فـ (مدة) : ظرف زمان .
دوام : مصدر من (دام) فسُبقت دام بـ (ما) المصدرية الظرفية فعملت عمل (كان) .
فما يعمل بعمل (كان) بشرط تقدّم نفي عليه أو شبه النفي ، وشبهه شيئان: النهي والدعاء ، وأضاف بعضهم الاستفهام .
وما يُشْتَرَط فيه ذلك أربعة أفعال:
مثاله :
قولك : (ما تزال واقفاً يا عَمْرٌو) ، بعد قولك له (لا تقف هاهنا) فقد عملت عمل (كان) لتقدم النهي عليها ؛ ومِنْ ثَمَّ يُعلم أن تلك الأفعال الأربعة لا تعمل عمل (كان) إذا بُدِئَ بها من أول الكلام ، بل لابد من كلام سابق لها إما حقيقة أو تقديراً .
فما يعمل عمل (كان) بلا شرط وهي بقية الأفعال .
مثاله :
قولك : (لَيْسَ عَمْرٌو شاخصاً) .
فكلمة (لَيْسَ) : فعل ماض مبني على الفتح.
و(عَمْرٌو) : اسم (لَيْسَ) مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
(عَمْرٌو يُكتَب بـ (واو) زائدة ، هذه الواو تُكتَب ولا تُنطَق).
شاخصاً : خبر اسم (لَيْسَ) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
يتعلق بهذا الجملة شيئان :
معنى التصرف ؛ إذ معناه : مجيء تلك الأفعال ماضية وأمراً ومضارعاً .
مثال الماضي : (كان) ، ومثال الأمر : (كن) ، ومثال المضارع : (تكون ، ويكون ، وأكون) . فالأفعال السابقة تعمل عملها في جميع تصرفاتها .
فهو أن يُعلم أن ثلث الأفعال من حَيْثُ التصرف على أقسام ثلاثة :
ما لا يتصرف وإنما يأتي ماضياً فقط وهو (لَيْسَ) باتفاق . واخْتُلِفَ في (ما دام) ، والجمهور على أنه لا يتصرف عن الماضي .
فما لا يأتي أمراً ، وإنما يأتي ماضياً ومضارعاً وهو أربعة أفعال : (ما زال ، وما انفك ، وما فتئ ، وما برح ) .
فما تَصَرَّفَ ماضياً ومضارعاً وأمراً وهو بقية الأفعال .
فيه ذكر أمثلة على العوامل السابقة وسبق ذكرهما ضمناً وإعرابهما - أعني المثلين المذكورين - .
الأفعال المذكورة سابقاً لكلٍ معنى ، ففعل (كان) يدل على الكينونة ، وفعل (أمسى) يتعلق بوقت المساء ، وفعل (أصبح) يتعلق بوقت الصباح ، وفعل (أضحى) يتعلق بوقت الضحى ، وفعل (ظل) يتعلق باليوم كله ، وفعل (بات) يتعلق بوقت البيات وهو الليل ، وفعل (صار) يتعلق بالصيرورة وهو صيرورة الشيء من شيء إلى شيء وهو ما يُسَمَّى بالانتقال ، وفعل (لَيْسَ) يتعلق بالنفي ، وكذلك (ما زال ، وما انفك ، وما فتئ ، وما برِح) ، وفعل (ما دام) يتعلق بالديمومة . وقد تُسحَب معاني تلك الأفعال لتُعطي معنى عاماً كمعنى النفي أو الانتقال ونحوهما . كقولك : (أصبح زَيْدٌ تاجراً) ؛ وأنت لا تقصد وقت الصباح وإنما تقصد الانتقال أي انتقل من فقر إلى تجارة ونحو ذلك .
ثُمّ اعلم أن (كان) وما معها من أخوات تُسَمَّى بالأفعال الناقصة لعِلَّة وهي : نُقْصانها عن حقيقة الفعل ؛ إذ حقيقة الفعل تحوي أمرين :
الزمان والحدث ، فَجُرِّدَتْ من الحدث ، وبقي الزمان ، وقيل غير ذلك .
هذه الجملة يتعلق بها شيئان :
أن الْمُصَنِّف - يرحمه الله - أخَّر ذكْر الحروف التي تنسخ المبتدأ والخبر بعد الأفعال ؛ لأنها أدنى مرتبة من الأفعال - وسبق - .
أنَّ لـ (إنَّ) نظائر تأتي وهي ما عَبَّرَ عنها الْمُصَنِّف بقوله : (وأخواتها) . وعملها : أنها تنصب المبتدأ ويُسَمَّى اسماً لها ، وترفع الخبر ويُسَمَّى خبراً لاسمها .
هذه الجملة ذكر فيها الْمُصَنِّف - يرحمه الله - (إنَّ) ونظائرها ، ولكلٍ معنى يأتي . وضرب على ذلك مثلين :
وإعرابه :
إنَّ : حرف توكيد ونصْب مبني على الفتح .
زيداً : اسم (إنَّ) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
قائمٌ : خبر اسم (إنَّ) مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
وإعرابه :
ليت : حرف نَصْب وتمني مبني على الفتح .
عَمْراً : اسم (ليت) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
شاخصٌ : خبر اسم (ليت) مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
يعني من الأمثلة .
هذه الجملة ذكر فيها الْمُصَنِّف - يرحمه الله - معنى الحروف السابقة ، وأرجعها إلى خمسة معان :
ويُقَال : التأكيد ، والمقصود به : تقرير الشيء ، وهو هنا تأكيد نسبة الخبر إلى المبتدأ . تقول : (إنَّ زيداً قائمٌ) فأكدت قيام زَيْدٍ بـ (إنّ) وكذلك (أَنَّ) -بالفتح - وهذا المعنى يُستعمل مع حرفين :
الأول : إنَّ - بكسر الهمزة - .
والثاني : أنَّ - بفتح الهمزة - ، مع تشديدهما .
ومعناه : تعقيب شيء على شيء .
(زيدٌ صالح لكنه جاهلٌ) ؛ ومِنْ ثَمَّ لابد من أن يَسْبِق حرف (لكنّ) كلام حتى يتم الاستدراك ، فلا يُبْتَدأ بها من أول الجمل .
وحرف الاستدراك هو (لكنّ) فحسب - بتشديدها - .
ومعناه تشبيه الخبر بالمبتدأ .
(كأن زيداً عمرٌو) فأنت تُشبّه بين الرجلين ، وللتشبيه حرف واحد وهو (كأنَّ) - بتشديدها - .
وهو طلب ما هو محال في العادة أو يمكن وقوعه لكن بمشقة وعُسر .
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بِمـا فعل المشيب
وفيه تمني الشيخ أن يعود له شبابه ، لِيُخْبِرَ الشباب بأوجاع الشيخوخة وأمراضها وهذا محال في العادة .
وهما معنيان :
لـ (أَنْ) - بدون تشديد مع فتح - ، و(لكنْ) - بدون تشديد - ، و(كأنْ) - بدون تشديد - أحكام تأتي في المطولات - إن شاء الله - .
هذه الجملة يتعلق بها شيئان :
تأخير الْمُصَنِّف ذكر (ظَنَّ وأخواتها) على الأولَين (كان) و(إنَّ) وعوامل كلٍ ؛ لأن مَحَلّ (ظَنَّ وأخواتها) المنصوبات لا المرفوعات ، والكلام هنا عن المرفوعات أصالة ؛ ولكن لأن (ظَنَّ وأخواتها) من نواسخ المبتدأ والخبر ذُكِرن هنا.
أن (ظَنَّ) وما معها من النظائر وهي ما عَبَّرَ عنها الْمُصَنِّف بقوله (وأخواتها) لها عمل في المبتدأ والخير ، فهي تنصب المبتدأ ويُسَمَّى مفعولها الأول ، وتنصب الخبر ويُسَمَّى مفعولها الثاني ؛ ولذا فإن (ظَنَّ وأخواتها) تشتمل على أمور ثلاثة :
مثاله : ظننت زيداً شاخصاً .
إعرابه :
ظَنَّ : فعل ماض مبني على السكون ، لاتصاله بضمير الرفع المتحرك .
والتاء : ضمير متصل مبنيٌّ على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل .
ومثال ذلك : ظننت زيداً شاخصاً .
إعرابه
ظننت : سبقت .
زيداً : مفعول أول لـ(ظَنَّ) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
شاخصاً : مفعول ثان لـ(ظَنَّ) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
فيه ذكر لـ(ظَنَّ) وأخواتها وهي أقسام من حَيْثُ المعنى :
ما يُفيد الرجحان ، وهي أفعالٌ :
ومثالها :
ما ذكره الْمُصَنِّف بقوله : (ظننت زيداً منطلقاً ، وخِلْتُ عَمْراً شاخصاً) .
ما أفاد العلم ، وهي ثلاثة أفعال :
ومثالها :
(رأيت الحق باطلاً) .
ما أفاد معنى التصيير ، وفيه فعلان :
ومثاله :
اتخذت الماء زاداً .
فما أفاد السماع وهو (سمعت) .
ومثاله :
ما جاء في الحديث حكاية : (سمعتُ الناس يقولون قولاً فقلتُه) .
سمعت : (سمع) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك .
والتاء : ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل .
الناس : مفعول أول لـ(سمع) منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
يقولون : جملة فعلية في مَحَلّ نَصْب مفعول ثان لـ (سمع) .
وليُعْلم : أن جمعاً من الشُّرَّاح وغيرهم أنكروا على ابن آجروم : إدخاله (سمعت) في أخوات ظَنَّ لأنها من أفعال الحواس وهي لا تتعَدّى إلى مفعولين بل إلى مفعول واحد ، وعلى هذا جمهور النحويين من أن (سمع) لا تتعَدّى إلا لمفعول واحد .
لكن ذهب أبو علي الفارسي إلى أنَّ : (سمعت) من أخوات (ظنَّ) تعمل عملها ، ولعل الْمُصَنِّف تبعه في ذلك - وهو من الأقوال الشاذة لأبي علي - .
(ظننت) وأخواتها يُسَمِّيها بعضٌ بأفعال القلوب ، ويُسَمِّيها بعضٌ بالأفعال المتعَدّية يعني إلى مفعولين ، ويُسَمِّيها بعضٌ بأفعال الشك ، وهي تسمية الشيء ببعض معانيه ، أما أفعال القلوب فالمقصود بها : الأفعال التي تتعلق بالقلوب كـ (رأى) - وسبق أنها متعلقة بالاعتقاد مَحَلّ القلب هنا - ، و(عَلِمَ) ومحله القلب هنا ونحوهما . وكذلك الشك فإنه يتعلق بـ(ظننت) ونحوها المفيدة للشك والرجحان .
أما تسميتها بالأفعال المتعَدّية فهذا وصفٌ لجميعها سوى (سمعت) على قول جماهير النحويين .
قوله (باب النعت) يتعلق به شيئان :
تعريف النعت لغة : إذ هو من قولهم : نَعَتَ المرءُ الشيء إذا وصفه بشيء يتعلق به .
فتعريفه اصطلاحاً : وهو وصف اسمٍ لاسمٍ يتبعه في الإعراب والتعريف والتنكير.
قولك : (قام زيدٌ العاقل) .
فـ(قام زَيْدٌ) : فعل وفاعل .
العاقل : نعت لـ (زَيْدٌ) يأخذ حكم (زَيْدٌ) إعراباً - وهو الرفع هنا - لأنه فاعل ، وكذلك يأخذ حكم التعريف والتنكير - وهو هنا معرفة - لأنه يُقْصَدُ أحد أشخاص زَيْدٍ أو شخصاً مُعَيَّناً .
هذا الباب يُسَمِّيه بعضهم بباب النعت ، ويُسَمِّيه آخرون بباب الصفة ، ويُسَمَّى كذلك بباب الوصف ، وكلها أسماء صحيحة .
يتعلق به شيئان :
هو أن المنعوت وهو (زَيْدٌ) في المثال السابق يسبق النعت وهو (العاقل) في المثال نفسه .
فهو أن النعت قسمان :
فنعت حقيقي ، ويُعَرَّف بأنه : الاسم التابع للموصوف الرافع لضميرٍ مستتر يعود على الموصوف أو المنعوت .
مثاله : (قام زيدٌ العاقلُ) .
إعرابه :
قام : فعل ماض مبني على الفتح .
زَيْدٌ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
والعاقل : صفة لـ (زَيْد) مرفوعة بالضمة الظاهرة على آخره ، وكلمة (العاقل) ترفع ضميراً مستتراً تقديره (هو) وهذا الضمير يرجع إلى زَيْدٍ .
فنعت سبَبَيّ وهو : الاسم التابع لموصوفه الرافع لاسمٍ ظاهر اتصل به - أي الاسم الظاهر - ضمير يعود على الموصوف .
مثاله : (قام زيدٌ العاقلُ أبوه) .
فـ(قام زيدٌ العاقلُ) : سبق إعرابها .
إلا أن كلمة (العاقل) : نعت سببَيّ لأنها تسبَّبَت في رَفْع اسم ظاهر وهو : (أبو) حَيْثُ رُفِعَ بالواو لأنه من الأسماء الستة أو الخمسة ، وهو مضاف. والهاء : ضمير متصل في مَحَلّ خفض مضاف إليه يعود على الموصوف وهو (زيد) .
في كلا القسمين يَرْفَع النعت - الذي هو كلمة (العاقل) في المثالين السابقين - ضميراً مستتراً أو اسماً ظاهراً اتصل به ضمير ، ويكون النعت حينئذٍ كالفعل ، يُقَدَّر له فعلٌ من لفظه ، وما بعده يكون فاعلاً .
فكلمة (العاقل) في المثالين السابقين هي في تقدير (فِعْل) لا أنها (فِعْل) .
وكلمة (هو) في المثال الأول : فاعل في مَحَلّ رَفْع .
وكلمة أبوه : أبو : فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة أو الخمسة وهو مضاف والهاء مضاف إليه .
النعت الحقيقي والسببَي يشتركان في شيئين ، ويختلفان في شيئين .
أما اشتراكهما ، فيشتركان في شيئين :
الإعراب ، حَيْثُ يتبع النعت فيهما منعوته ، فإن كان مرفوعاً رُفِعَ ، وإن كان منصوباً نُصب ، وإن كان مخفوضاً خُفض .
فالتعريف والتنكير ، حَيْثُ إِن النعت يتبع منعوته في ذلك ، فإن كان المنعوت معرفة عُرّف نعته ، وإن كان نكرة نُكّر نعته .
مثال المعرفة : قام زَيْدٌ العاقل ؛ إذ كلمة (زَيْدٌ) منعوت وهو عَلَمٌ على شخص مُعَيَّنٍ فكان معرفة ، فَعُرِّفَ نعته بـ(ال) الْمُعَرِّفة فقيل (العاقل) .
ومثال النكرة : (مررت برجلٍ عاقلٍ) فكلمة (عاقل) نعت لـ(رجل) وهي نكرة ، لأن كلمة (رجل) نكرة فتتبعها .
وأما اختلافهما ففي شيئين :
في التذكير والتأنيث حَيْثُ إِنَّ (النعت) في النعت الحقيقي يتبع منعوته في التذكير والتأنيث ، خلافاً للنعت السببَي فإنه يتبع ما بعده تذكيراً وتأنيثاً .
قولك : (قام زَيْدٌ العاقل) ، فكلمة (العاقل) نعت تبعت كلمة (زَيْدٌ) في تذكيرها .
قولك : (رأيت هنداً العاقلة أمها) ، فكلمة (العاقلة) نعت لـ(هند) تبعت كلمة (أمها) في تأنيثها ، ولم تتبع كلمة (هند) وإن كانت مؤنثة المعنى مذكرة اللفظ .
ففي الجمع والإفراد والتثنية . حَيْثُ إنَّ (النعت) في النعت الحقيقي يتبع منعوته في الجمع والإفراد والتثنية .
مثاله : (رأبت المحمدين العاقلين) ؛ إِذْ كلمة (العاقلين) نعت لـ(المحمدين) تبعت منعوتها في التثنية فثُنِّيَ .
خلافاً للنعت السَّبَبِيّ فإنه لا يكون إلا مفرداً .
مثاله : (جاء الزيدان العاقل أبوهما) ، فكلمة (العاقل) نعت وهي مفردة لم تتبع منعوتها في التثنية .
حاصله ذكر أمثلة تتعلق بالنعت الحقيقي :
وأما النعت السببَي فيمثل له في حالة الرفع بـ(جاء زَيْدٌ العاقلُ أبوه) ، وفي حالة النصْب بـ (رأيت زيداً العاقلَ أبوه) ، وفي حالة الخفض بـ (مررت بزَيْدٍ العاقلِ أبوه) .
هذه الجملة ذكر فيها الْمُصَنِّف - يرحمه الله - المعرفة والنكرة ، وقدَّم المعرفة على النكرة ذكراً ، لعلو منزلتها مع أن كثيراً من النحويين يقدمون النكرة ؛ لأنها الأصل ؛ ولأن المعارف مستخرجة منها .
فلتقديم الْمُصَنِّف المعرفة على النكرة وجهان :
فسبق وهو علو مرتبة المعرفة على النكرة .
فلأن معرفة الشيء المحدَّد ذا العدد أسهل من معرفة ما هو أوسع منه دائرة وبدون حد وعدد ، وهو ما يُسَمِّيه العارفون بمراعاة التدرج في التعليم .
وإنما ذكر الْمُصَنِّف - يرحمه الله - المعرفة والنكرة هنا تحت باب النعت ؛ لتعلقها بباب النعت حَيْثُ سبق أن النعت يتبع منعوته في تعريفه - أي كونه معرفة - ، وتنكيره - أي كونه نكرة - .
يتعلق به شيئان :
تعريفه من حَيْثُ اللُّغَة ؛ إذ أنه يرجع إلى مادة العين والراء والفاء ، ومنها قولهم : عرفت الشيء معرفة إذا عقلته وعلمت به وأدركته .
فهو تعريفها من حَيْثُ الاصطلاح ، وتُعَرَّف بأنها : ما دَلَّتْ عَلَى مُعَيَّنٍ بعيدٍ لفظي أو معنوي .
مثال القَيْد اللفظي :
دخول (ال) التعريفية على النكرات ككلمة (الرجل) .
ومثال المعنوي :
اسم الإشارة ؛ لأنه يدل على مُعَيَّنٍ بواسطة الإشارة ، والإشارة شيء معنوي.
يتعلق به شيئان :
حَصْره المعارف كُلَّها في أشياء خمسة . ودليل ذلك شيئان :
الاستقراء التام ؛ حَيْثُ استقرأ أئمة اللُّغَة والنحو الكلمات العربية فوجدوا المعارف لا تخرج عن تلك الأشياء الخمسة .
الإجماع ؛ وقد حكاه عن أئمة اللُّغَة غير واحد ومنهم : الصبَّان في [حاشيته على التصريح] وكذا غيره .
فهو أن المشهور عند النحويين عَدّ المعارف بستٍّ ، والاختلاف بينهم وبين الْمُصَنِّف لفظي ؛ إِذْ إِنَّ الجمهور يذكرون اسم الإشارة والاسم الموصول كُلاًّ على حِدة خلافاً للمصنف فقد ذكرهما باسم واحد ، وهو قوله (الاسم الْمُبْهَم) .
يتعلق به ثلاثة أشياء :
أن المضمر والضمير بمعنىً واحد ، وهو ما دَلَّ على مُعَيَّنٍ بقَيْد التكَلُّم أو الخطاب أو الغَيْبَة .
هو أن الضمائر ثلاثة أنواع :
ضمائر التكَلُّم . وهي ضميران :
أولهما :
(أنا) ، وهو يدل على الْمُتَكَلِّم المفرد .
والثاني :
(نحن) ، وهو يدل على أحد شيئين :
ضمائر الخطاب ، أو المخاطبة وهي خمسة :
الأول :
(أنتَ) ، للمفرد المخاطب .
الثاني :
(أنتِ) ، بكسر التاء للمفردة المخاطبة .
الثالث :
(أنتما) ، للمثنى أو الاثنين سواء أكانا ذكرين أم أنثيين أم ذكراً وأنثى.
الرابع :
(أنتم) ، للمخاطبين الذكور .
الخامس :
(أنتن) ، للمخاطبات من الإناث .
ضمائر الغيبة ، وهي خمسة :
الأول :
(هو) ، للغائب المفرد الذكر .
الثاني :
(هي) ، للغائبة المفردة .
الثالث :
(هما) ، للاثنين أو المثنى سواء أكانا ذكرين أو أنثيين أو ذكراً وأنثى.
الرابع :
(هم) ، للغائبين الذكور .
الخامس :
(هن) ، للغائبات الإناث .
قوله (نحو أنا وأنت) فيه تمثيل على الضمائر بنوعين : وهما ضمائر التكَلُّم بـ(أنا) وضمائر الخطاب أو المخاطبة بـ(أنت) . وذِكْرُ بعض الشيء للدلالة على كلِّ الشيء من الاصطلاحات المتبعة عند اللُّغَويين وغيرهم .
يتعلق به أشياء ثلاثة :
العَلَم بمعنى : العلامة لغة ، وفي الاصطلاح : ما دَلَّ على مُعَيَّنٍ بلا قَيْد تكَلُّم ولا خطاب ولا غيبة .
ومثاله :
كلمة : (إبراهيم) عَلَم على نبي رسول ؛ حَيْثُ دَلَّ على ذلك العَلَم دون قرينة تكَلُّم ولا غيرها .
أنَّ العَلَم قسمان :
عَلَم مذكر وهو نوعان :
الأول :
ما كان تذكيره لفظياً كـ(إبراهيم) .
والثاني :
ما كان تذكيره معنوياً كـ(طلحة) .
عَلَم مؤنث وهو نوعان :
الأول :
ما كان تأنيثه لفظياً كـ (مكة) .
والثاني :
ما كان تأنيثه معنوياً كـ (زينب) .
وقد يجتمع التذكير اللفظي والمعنوي كما في (محمد) ، وكذلك يجتمعان في المؤنث كما في (فاطمة) .
قوله (نحو زَيْدٌ ومكة) وهو تمثيل على العَلَم ببعض مفرداته فَمَثَّلَ على المذكر بـ(زيد) ، وعلى المؤنث لفظاً بـ(مكة) إشارة إلى قسمي العَلَم السابقين .
يتعلق به أشياء ثلاثة :
الْمُبْهَم : اسم مفعول من الإبهام ، وهو يرجع إلى مادة (أَبْهَمَ) ومنها قولك : أبهمت الأمر ضد إيضاحه . والاسم الْمُبْهَم هنا يُقْصَدُ به شيئان :
اسم الإشارة . وهو ما دَلَّ على مُعَيَّنٍ بواسطة الإشارة ، وله مفردات :
فالاسم الموصول . وهو ما دَلَّ على مُعَيَّنٍ بواسطة الصلة وله مفردات :
إنما أُدْخِل الاسم الموصول واسم الإشارة تحت الاسم الْمُبْهَم ، لأن فيهما إبهاماً لمطلق معنى الإشارة ومطلق معنى الصلة ، لكن بمعرفة المشار أو الاسم الصلة - ذهناً أو ذكراً أو حضوراً بإشارة حسية إليه - يندفع معنى الإبهام .
قوله : (نحو هذا وهذه وهؤلاء) فيه تمثيل على الاسم الْمُبْهَم ببعض مفردات أحد نوعيه وهو اسم الإشارة .
وقد ذهب بعض الشراح إِلى أنَّ الْمُصَنِّف أغفل الاسم الموصول ، ولم يذكره سهواً ؛ لأن الاسم المفرد أبان عنه بالتمثيل ، وكان التمثيل قاصراً على اسم الإشارة .
ولكنه اعتراض مرفوض بقاعدةٍ سبقت وهي : أن كل الشيء يُذْكَرُ ببعض مفرداته .
يتعلق به أشياء ثلاثة :
عنى الْمُصَنِّف الاسم المعَرَّف بـ(ال) وسبق أن التعبير عن الألف واللام بـ(ال) أولى مع وجود وجه لنطقها بـ(الألف واللام) .
المعَرَّف بـ(ال) نوعان :
ما أفادت فيه (ال) العهدية .
(ال) المفيدة للجنس والاستغراق . كقولك (إن الإنسان لظلوم جهول) فـ(ال) هنا تدل على استغراق جميع مفردات الإنسان وجنسه.
قوله ( نحو الرجل والغلام ) فيه تمثيل على (ال) المعرِّفة بمثلين ، وهما يدلان على (ال) الاستغراق والجنس في الأصل .
يعني الأربعة السابقة وهي الاسم المضمر والاسم العَلَم والاسم الْمُبْهَم والاسم المعَرَّف بـ(ال) . فإذا أضيف اسم إلى أحد تلك الأربعة اكتسب التعريف بإضافته إليه .
مثاله :
قولك : (غلام زَيْدٍ) فـ(زَيْدٍ) معرفة لأنه اسم عَلَم أضيف إليه اسم (غلام) فاكتسب المعرفة بإضافته إليه . مع أن أصله نكرة .
المعارف في القوة والضعف من حَيْثُ المعرِفِيَّة على مراتب :
وأما الاسم المضاف إلى واحد من تلك الأشياء فبحسب المضاف إليه ، فإذا أضيف إلى ضمير كان في مرتبة الضمير ، وإن أضيف إلى عَلَم كان في مرتبة العَلَم ، وإن أضيف إلى اسم إشارة كان في مرتبة اسم الإشارة وهكذا .
ومثاله في باب الإضافة هنا : غلامك ، وغلام الذي جاء ، وغلام الرجل ، ونحوها .
يتعلق به أشياء ثلاثة :
النكرة : مأخوذة من تنكير الشيء ، ضد المعرفة وتعريفه ، وقد حدَّه الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بقوله (كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر) .
فقوله (كل اسم) يخرج : الفعل والحرف . وقوله (شائع) يعني عام ، تقول (أشعت الأمر) إذا عمَّمْتَه . وقوله (في جنسه) هو ما يُسَمَّى بالأجناس أو الجنس.
ومثاله :
كلمة : (امرأة) و(رجل) ، فـ(امرأة) تشمل جميع جنس المرأة أي : جميع مفردات النساء من فاطمة وزينب وحفصة وغير تلك المفردات . وكذلك كلمة (رجل) تشمل جنس الرجال أي : جميع مفردات ذلك الجنس كزَيْدٍ وعَمْرٍو ومُحَمَّدٍ وغيرهما .
وقوله (لا يختص به واحد دون آخر) أي : لا يختص بكلمة (رجل) : زيد دون عَمْرو ، ولا عَمْرو دون مُحَمَّد . وكذلك قل في كلمة (امرأة) من عدم اختصاص فاطمة بهذه الكلمة أي كلمة (امرأة) دون زينب ، ولا زينب دون حفصة .
قوله : (وتقريبه) أي : على المبتدئ بتعريف ذَكَرَهُ وهو قوله : (كل ما صَلَح دخول الألف واللام عليه) .
كلمة (صَلَح) فيها ضبطان : بفتح اللام وضمها (صَلَح) و(صَلُح) ، أي ما جاز دخول الألف واللام عليه ، والمقصود بمقتضى فصيح الكلام لا بلحنٍ ورطانة .
وفيما ذكره الْمُصَنِّف - يرحمه الله - دلالة أن النكرة تُحَدّ ولا تُعَدّ ، أي تُعرَّف بحدٍ وتعريف ؛ لا بِعَدٍّ لمفرداتها وأجناسها ؛ لكثرة ذلك ولأنها فوق الحَصْر خلافاً للمعارف فإنه عَرَّفها بِعَدٍّ لكونها تحت الحَصْر .
قوله : (نحو الرجل والفرس) وفيه تمثيل على النكرة ببعض مفرداتها ؛ إذ كلمة (رجل) وكلمة (فرس) تصلح اسماً لجميع مفردات جنسها وتقبل (ال التعريفية) فيُقَال (الرجل) و(الفرس) .
يتعلق به أشياء ثلاثة :
تعريفه من حَيْثُ اللُّغَة : إذ هو الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه ، تقول : (مررتُ بالسوق ثُمَّ عطفتُ عليه) إذا رجعتَ إليه بعد انصرافك عنه .
تعريفه اصطلاحاً : ويُعَرَّف بأنه : التابع الذي توسط بينه وبين متبوعه أحد عشرة أحرف : كالواو والفاء وثُمَّ وغيرها . وهذا تعريفٌ لعطف النَّسَق وهو الذي ذكره الْمُصَنِّف هنا .
لِيُعلم أن العطف قسمان :
عطف النَّسَق وسبق تعريفه .
وكلمة (النَّسَق) معناها في اللُّغَة : عطف شيءٍ على شيءٍ ، أو كون شيئين فأكثر في نظامٍ واحد ، وهذان المعنيان اللُّغَويان مقصودان هنا .
مثاله :
(جاء مُحَمَّدٌ وزَيْدٌ) حَيْثُ إِن كلمة (زيد) تابعة لكلمة (مُحَمَّدٌ) في حكم المجيء وفي الإعراب توسَّط بينها وبين متبوعها - وهي كلمة (محمد) - حرف الواو وهو : حرف العطف .
وله حروفٌ عشرة يأتي الكلام عنها .
فعطف بيان ، ويُعَرَّف بأنه : التابع الجامد الموضِّح لمتبوعه في المعارف والمخصِّص لمتبوعه في النكرات .
فكلمة (التابع) أي أنه من التوابع الخمسة التي تتبع متبوعها في الإعراب ، وكلمة (الجامد) ضد المشتق وتشمل معنيين :
الأول :
كل اسم دَلَّ على ذاتٍ مُعَيَّنة كـ(إبراهيم ومحمد) ونحوهما .
والثاني :
كل معنىً لم يُنظَر فيه إلى صفته التي اشتُقَّ منها .
مثاله :
أسماء الأجناس المحسوسة ككلمة (الإنسان) فإن إطلاقها في الاستعمال العربي جرى لمعنىً يُقَال هو (النَّوْس) - والنَّوْس هو الحركة - لكن لا يلتفت إلى اشتقاقه من (النَّوْس) وهي صفته عند إطلاقه .
وكلمة : (الموضِّح لمتبوعه في المعارف ، والمخصِّص لمتبوعه في النكرات) يؤخذ منها أنَّ المعطوف يأتي لإحدى فائدتين :
فتوضيحه لمعرفةٍ عُطِفَ عليها .
مثاله :
(جاء مُحَمَّدٌ أبوك) فكلمة (أبوك) أو (أبو) عطف بيان حَيْثُ أفادت توضيحاً للمعطوف عليه وهو كلمة (محمد) .
وإعرابها بأن يُقَال :
جاء مُحَمَّدٌ : فعل وفاعل .
أبو : عطف بيان على (محمد) ، يأخذ حكمه ، وهو مرفوع ، وهو مضاف ، والكاف مضاف إليه مبنية على الفتح .
تخصيص المعطوف عليه إن كان نكرة :
مثاله :
قول الله U : ] من ماء صديد [ . حَيْثُ إِن كلمة (صديد) عطف بيان على كلمة (ماء) خصصَّته من أجناس المياه .
وإعرابه أن يُقَال :
من ماء : جار ومجرور .
صديد : عطف بيان على كلمة (ماء) ويأخذ حكمها وهو الخفض .
يتعلق بها أشياء ثلاثة :
جَعْلُه أحرف العطف عشرة ، له دليلان :
فالاستقراء التام .
فالاتفاق إلا في حرف (وإمّا) . فإن الجمهور على أن العاطف فيه (الواو) الملازمة له لا (إمّا) .
كلمة (عشرة) فيها ضبطان :
لِيُعْلم أن هذه الأحرف نوعان :
ما اشترك في اللُّغَة - أي الإعراب - والحكم - أي المعنى - ، وهي جميع الأحرف العشرة سوى ثلاثة أحرف وهي - أعني الأحرف المنطبق عليها الوصف السابق - : الواو والفاء وثُمَّ وأو وأم وإمّا وحتى (في بعض أوجهها) .
مثال ذلك :
قولك : (جاء مُحَمَّدٌ وعَمْرٌو) . فالمعطوف هو كلمة (عَمْرٌو) شارك كلمة (محمد) في شيئين :
مثال ثانٍ :
(جاء زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو) فإن كلمة (عَمْرٌو) تشارك زيداً في شيئين :
فما شارك المعطوف عليه في اللُّغَة والإعراب فقط دون الحكم والمعنى ، وهو ثلاثة أحرف هي : (بل ، ولا ، ولكن) . وذلك لأنها تفيد معنىً يقتضي المغايرة بين ما بعدها وما قبلها ، فلم تكن الشركة بين ما قبلها وما بعدها إلا في الإعراب .
مثاله :
(جاء مُحَمَّدٌ بل زَيْدٌ) . فكلمة (زَيْدٌ) معطوفة على كلمة (مُحَمَّدٌ) فتأخذ إعرابها وهو الرفع للفاعليّة بسبب حرف (بل) العاطف ، لكن لا تشاركها كلمة (زَيْدٌ) في الحكم والمعنى ؛ لأن (بل) إضرابٌ عن (مُحَمَّد) أنه لم يجيء ، وإثباتٌ للمجيء لـ(زَيْدٍ) ، وهذا من باب النسيان أو الذهول أو نحو ذلك .
لكل حرف من هذه الحروف معنى .
التشريك - أي في الحكم - بين المعطوف والمعطوف عليه .
التسوية بين المعطوف والمعطوف عليه .
العطف ، إلا أن معنى العطف معلومٌ بوروده في باب العطف ولذا لا يذكره جمهور النحاة وهم يقصدون بالعطف هنا التشريك في الإعراب.
التشريك وسبق معناه .
الترتيب ، معناه : أخذ حكم المعطوف بعد حكم المعطوف عليه .
التعقيب ، ومعناه : مجيء شيء بعد شيء لكن بلا مهلة . وكونه بلا مهلة بحسب الشيء المعطوف .
مثال ذلك :
(جاء زَيْدٌ فعَمْرٌو) فكلمة (فعَمْرٌو) فيها معنى التشريك في حكم الإعراب لكلمة (زيد) ، وفيها معنى الترتيب لأن مجيء (عَمْرٍو) بعد (زَيْدٍ) ، وفيها معنى التعقيب لأن مجيء (عَمْرٍو) كان عقب مجيء (زَيْدٍ) أي بلا مهلة .
معنى التشريك وسبق .
معنى الترتيب وسبق .
معنى التراخي . ويُقْصَدُ بالتراخي مجيء شيء بعد شيء لكن بمهلة .
مثاله :
(دخلت مكة ثُمَّ المدينة) أي كان بين دخولك مكة والمدينة مهلة .
والفرق بين معنى الإباحة ومعنى التخيير السابق هو : أن معنى التخيير لا يجوز فيه الجمع بين ما وقع التخيير فيه خلافاً لمعنى الإباحة فيجوز الجمع .
أن جملة (تزوج هنداً أو أختها) يمنع الشرع الجمع بين المرأة وأختها في الزواج ، ولذلك لا يجمع بين هند وأختها ، خلافاً لجملة (جالِسْ سعداً أو عَمْراً) إذ فيه إباحة الجلوس معهما .
مثاله :
(أضربت زيداً أم عَمْراً) فأنت تطلب تعيين المضروب مُسْتفهِماً في ذلك.
فهو يأتي لمعنى التشريك ولغيرها كما في قوله تعالى ] فإمّا منّاً بعدُ وإما فداءً [ .
وجمهور اللُّغَويين على أن حرف (إمّا) لَيْسَ من حروف العطف . وأما مجيئه عاطفاً في بعض الجمل كما في الآية السابقة فعُطِف بحرف (الواو) السابق له والملازم له ، ولم يكن العطف به أي بـ(إمّا) .
مثاله :
(جاء مُحَمَّدٌ بل زَيْدٌ) . فحرف (بل) ضَرَبَ على مجيء (مُحَمَّدٍ) فكأنه لم يأتِ .
ولعملها في العطف شروط : منها كون ما بعدها مفرداً .
ومثاله :
(اضرب زيداً لا عَمْراً) وهو هنا للنهي ، فأنت تنهى عن ضرب عَمْرٍو وتجعل الضرب نازلاً على زَيْدٍ .
ولعمل (لا) في العطف شروط : منها أن يتقدم عليها طلبٌ بأمرٍ أو نهي ونحوهما.
ولعملها في باب العطف شروط : منها كون ما بعدها مفرداً .
ومثاله :
قولك : (أكلت السمكة حتى رأسها) أي تدرّجت في أكل السمكة حتى كانت الغاية رأس السمكة وأكلت الرأس .
ولعملها في باب العطف شروط ، ولذلك قال الْمُصَنِّف (في بعض المواضع) ومن الشروط : كون ما بعدها جزءاً مما قبلها ، فرأس السمكة في المثال السابق جزءٌ من السمكة .
يتعلق به شيئان :
ذكر حكم ما بعد حروف العطف وهو المعطوف ، وهو أنه تابعٌ للمعطوف عليه رَفْعاً ونصْباً وخفضاً وجزماً .
وقد مَثَّلَ الْمُصَنِّف - يرحمه الله - على ذلك بأمثلة تأتي ، وسبق التفصيل بأن من حروف العطف ما يقتضي التشريك في الإعراب والمعنى ، ومنها ما يقتضي التشريك في الإعراب فقط .
فذكر الْمُصَنِّف - يرحمه الله - أمثلة :
قوله : (قام زَيْدٌ وعَمْرٌو) .
إعرابه :
قام زَيْدٌ : فعل وفاعل .
وعَمْرٌو : (الواو) حرف عطف مبني على الفتح لا مَحَلّ له من الإعراب .
عَمْرٌو : تابع لـ(زيد) في إعرابه لأنه عطف نَسَق .
قوله : (رأيتُ زيداً وعَمْراً) .
إعرابه :
رأيتُ : فعل وفاعل .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
وعَمْراً : الواو حرف عطف مبني على الفتح لا مَحَلّ له من الإعراب .
و(عَمْراً) : تابع ل(زَيْدٍ) في خفضه لأنه عطف نَسَق .
قوله : (مررت بزَيْدٍ وعَمْرٍو) .
إعرابه :
مررت : فعل وفاعل .
(بزَيْدٍ) : جار ومجرور .
(وعَمْرٍو) : (الواو) حرف عطف مبني على الفتح لا مَحَلّ له من الإعراب .
و(عَمْرٍو) : تابع لـ(زَيْدٍ) في خفضه لأنه عطف نَسَق .
قوله : (لم يقم ولم يقعد) :
إعرابه :
لم يقم : حرف جزم مع فعل مضارع مجزوم .
(ولم يقعد) : (الواو) حرف عطف مبنيٌ على الفتح لا مَحَلّ له من الإعراب.
(لم يقعد) : فيها فعلٌ مجزومٌ لأنه معطوف على (لم يقم) فدخل عليه حرف جازم .
واكتفى الْمُصَنِّف - يرحمه الله - بالتمثيل بـ(الواو) وينقاس عليها غيرها .
مثال غيرها :
(جاء زَيْدٌ بل عَمْرٌو) .
إعرابها :
(جاء زَيْدٌ) : فعل وفاعل .
(بل) : حرف عطف مبني على السكون لا مَحَلّ له من الإعراب .
(عَمْرٌو) : تابع لـ(زيد) في رَفْعه لأنه معطوف عليه عطف نَسَق .
يتعلق به شيئان :
وهو لغة : من أكَّدَ يؤكِّد تأكيداً وتوكيداً إذا قوّاه وشدَّدَ فيه .
وأما في الاصطلاح : فالتوكيد هو التابع المقوِّي لمتبوعه .
مثاله في الأفعال : (جَاء جاءَ زَيْدٌ) .
ومثاله في الأسماء : (جاء زَيْدٌ زيْدٌ)
ومثاله : جاء أقبل زَيْدٌ .
وهو إتباع اللفظ بواحدٍ من ألفاظ تأتي كـ(النفس) و(العين) و(كل) ونحوها .
يطلق على هذا الباب : باب التوكيد ، وباب التأكيد ، وباب المؤكِّد وكلها بمعنى .
أن القسم الأول من التوكيد - وهو التوكيد اللفظي - يُتَعامل معه كما يُتَعامل مع العطف سِيَّان من حَيْثُ الإعراب والمعنى وما إلى ذلك ، خلافاً للتوكيد المعنوي فله حكمٌ يأتي .
يتعلق به شيئان :
أن التوكيد من التوابع التي تتبع ما قبلها في الإعراب وما إليه كالعطف والنعت ونحوهما .
فقد قَيَّدَ الْمُصَنِّف - يرحمه الله - تبعية التوكيد للمؤكَّد في شيئين :
في الإعراب ، وإليه الإشارة بقوله (رفعه ونصْبه وخفضه) .
في التعريف .
وهذان الأمران يتعلقان بالتوكيد المعنوي وهو الذي اقتصر عليه الْمُصَنِّفُ هنا . أما التوكيد اللفظي فسبق .
لم يذكر الْمُصَنِّفُ (التنكير) مع قوله (وتعريفه) وذلك لعِلَّة وهي : أن التوكيد المعنوي لا يكون إلا معرفةً ، وتعريفه بالإضافة . إلاَّ في حالة واحدة كزمنٍ منكَّر .
مثاله :
(صُمت شهراً كله) . فالشهر (نكرة) لا يُدرى أي شهرٍ هو .
يتعلق به ثلاثة أشياء:
تعيين الألفاظ التي يقع بها التأكيد أو التوكيد المعنوي ، وقد دَلَّ على ذلك دليلان :
وقد حكاه السيوطي في [الأشباه] وفي [الهمع] وغيرهما .
أجمع - منها : أَجْمَعُه وأجمعون وجَمْعاء (للمؤنث) .
وليُعْلم أن أكتع وأبتع وأبصع بمعنى أجمع ، وسبق أن معناها : الإحاطة والشمول .
الألفاظ السابقة تستعمل مستقلةٌ مع المؤكَّد - بفتح الكاف - سوى أكتع وأبتع وأبصع ، فلابد من أن يسبقها كلمة (أجمع) أو إحدى صيغها .
إذا جُمِعَتْ (أكتع) و(أبتع) و(أبصع) مع (أجمع) فلها ترتيبان :
يؤتى بأبتع ثُمَّ بأكتع ثُمَّ بأبصع كقولك : (جاء القوم أكتعون أبتعون أبصعون) .
يؤتى بعد أجمع بأكتع ثُمَّ أبصع ثُمَّ أبتع كقولك : (جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون) .
وأهل التحقيق من اللُّغَويين على أن الترتيب الثاني أفصح من الأول .
(قام زَيْدٌ نفسُه) . وكلمة (نفسه) : مؤكِّد معنوي لكلمة (زَيْدٌ) .
إعرابها :
قام زَيْدٌ : فعل وفاعل .
نفسُه : (نفس) تابع لـ(زيد) مؤكِّد معنوي له يأخذ حكمه وهو الرفع . و(نفس) مضاف ، والضمير المتصل : مضاف إليه .
(رأيتُ القوم كلَّهم) إذ كلمة (كلهم) مؤكِّد معنوي لـ(القوم) .
وإعرابه :
رأيت : فعل وفاعل .
القوم : مفعول به .
كلهم : (كل) تابع لكلمة (القوم) مؤكِّد لها آخذٌ حكمها وهو النصْب ، و(كل) مضاف ، والهاء ضمير متصل مبنيٌ على الضم في مَحَلّ خفض مضاف إليه و(الميم) للجمع .
(مررت بالقوم أجمعين) إذ كلمة (أجمعين) مؤكِّدة لكلمة (القوم).
إعرابها :
مررت : فعل وفاعل .
بالقوم : جار ومجرور .
أجمعين : تابعٌ مؤكِّد لكلمة (القوم) آخذٌ حكمها وهو الخفض وخُفِضَتْ بالياء نيابة عن الكسرة لأنها مُلحَق بجمع المذكر السالم . و(النون) في (أجمعين) عوض عن التنوين في الاسم المفرد .
يتعلق به شيئان :
تعريفه من حَيْثُ اللُّغَة : إذ هو بمعنى العِوَض ، تقول : استبدلتُ السلعة الفلانية بغيرها إذا أخذتَ غيرَها عوضاً عنها .
تعريفة في الاصطلاح : وهو التابع المقصود بلا واسطة .
مثال ذلك : (قام زَيْدٌ أخوك) .
فكلمة (أخو) : بدل من (زيد) لأنه يصح أن تُلغَى (زيد) وتقوم مقامه ، فتقول : (قام أخوك) . وكلمة (أخو) مقصودة بما قُصِدَ به (زَيْدٌ) وهو معني القيام ، وكان ذلك بلا واسطة حرف كـ(الواو) أو (فاء) أو غيرها .
يتعلق به شيئان :
بدل فعل من فعل كقولك غالِطاً (قام جلس مُحَمَّدٌ) أردت أن تخبر بجلوسه ، فغَلِط لسانك فنطق القيام .
بدل اسمٍ من اسمٍ كقولك : (جاء زَيْدٌ عَمْرٌو) تريد أن تخبر بمجيء عَمْرو ، فغَلِط لسانك فقال : زَيْدٌ .
فذِكْر حكم البدَل وهو أنه يتبع الْمُبْدَلَ في الإعراب فقط لا في المعنى وغيره ، لأنك قد تغلط فتقول لفظاً له معنى مغاير لما تريده كما سيأتي .
يتعلق به شيئان :
حصْر البدل في أقسامٍ أربعة . ودليله الاستقراء التام كما ذكره ابن مالك في [شرحه على الكافية] .
إلا أن بعض النحاة زاد أقساماً . والتحقيق أنها ترجع للأربعة خصوصاً بدل الغَلَط .
فيه ذِكْرٌ للأقسام :
بدل الشيء من الشيء . ويُقَال : بدل كلٍ من كُل . وهي أولى من عبارة بدل الكل من الكل ، لاختلاف اللُّغَويين هل تدخل (ال) على (كل) أم لا.
قرر ابن هشام في مواضع من كتبه كما في [شرح القَطْري] و[المغني] وغيرهما أن (ال) لا تدخل على (كل) ولا (بعض) وعليه عامة اللُّغَويين . لكن تسامح بعضهم في الاستعمال مجاراة للعامة كالسيرافي وغيره .
وهذا القسم معناه : صحة أن يقوم البدل مقام الْمُبْدَلِ ، لأنه كذاته .
ومثاله :
قولك (جاء مُحَمَّدٌ أبو عبد الله) .
فكلمة (أبو) : بدل من (مُحَمَّدٍ) فيصح أن يُقَال (جاء أبو عبد الله) لأنها بدل كل من كل ، فكلاهما يدل على تمام الشيء وكله وحقيقته ؛ إذ كلمة (محمد) في المثال السابق تدل على مُسَمّىً مُعَيَّنٍ وكذلك كلمة (أبو عبد الله) . لذا سُمِّيَ هذا القسم ببدل كلٍ من كلٍ أو الشيءِ من الشيءِ .
بدل البعض من الكل ، وضابطه هو : أن يكون البَدَلُ جزءاً من الْمُبْدَلِ وهو ثلاثة أنواع :
بدل الاشتمال ، وضابطه أن يكون بين البدل والْمُبْدَل علاقة بغير الجزئية .
مثاله :
(نفعني زَيْدٌ علمه) كلمة (علمه) بدل من زيد وهي بدل اشتمال .
بدل الغلَط ، وضابطه أن يكون الْمُبْدَل قد غُلِط فيه ، فَأُتِيَ بالبدل تصحيحاً.
وسبب الغلط إما النسيان كقولك ناسياً : (أكلتُ بالأمس رغيفاً لحماً) - والنسيان يتعلق بالقلب - فتذكرتَ أن المأكول هو اللحم لا الرغيف .
وقد يكون السبب سَبْق لسان ويُسَمِّيه اللُّغَويين بالغلط - يعني غلط اللسان - كقولك : (أكلتُ بالأمس رغيفاً لحماً) تريد أن تقول لحماً فَسَبَقَكَ لسانك إلى الرغيف .
والفرق بين غلط اللسان وغلط النسيان أن غلط اللسان يتعلق باللسان ، وغلط النسيان يتعلق بالقلب .
فيه ذكر أمثلة :
(قام زَيْدٌ أخوك) إذ البدل كلمة (أخو) في (أخوك) .
إعرابها :
قام زَيْدٌ : فعل وفاعل .
أخوك : (أخو) بدل كل من كل تابع لِزَيْدٍ في حكمه ولذا كان مرفوعاً بالواو نيابة عن الضمة ؛ لأنه من الأسماء الستة أو الخمسة و(أخو) مضاف ، و(الكاف) مضاف إليه .
(أكلت الرغيف ثلثه) إذ كلمة (ثلثه) : (ثلث) بدل بعض من كل تابعة لكلمة (الرغيف) في إعرابها .
إعرابها :
أكلت : فعل وفاعل .
الرغيف : مفعول به .
ثلثه : (ثلث) بدل بعض من كل يتبع كلمة (الرغيف) ولذا فهو منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف والضمير مضاف إليه .
(نفعني زَيْدٌ علمه) إذ كلمة (علمه) بدل اشتمال من كلمة (زَيْدٌ) ولذا أخذت حكمه وهو الرفع .
إعرابها :
نفعني : (نفع) فعل ماض مبني على الفتح ، و(النون) : نون الوقاية . و(الياء) ضمير التكَلُّم مبني على السكون في مَحَلّ نَصْب مفعول به مُقدَّم .
زَيْدٌ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
علمه : (علم) بدل اشتمال من (زيد) آخذٌ حكمه ، وهو الرفع بالضمة الظاهرة على آخره . و(عِلْم) مضاف و(الهاء) مضاف إليه .
(رأيت زيداً الفرس) إذ كلمة (الفرس) بدل غلط من كلمة (زيداً) ولذا تأخذ حكمها .
إعرابها :
رأيت : فعل وفاعل .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
الفرس : بدل غلط من (زيداً) آخذٌ حكمه ، وهو النصْب بالفتحة الظاهرة على آخره.
وإنما يُعلَم بدل الغلط بالقرائن كشخصٍ يُخْبِر أنه غَلِطَ فقال ذلك ، أو عُرِفَ من هيئته وحاله أنه غَلِطَ ، ولذلك قال الْمُصَنِّفُ - يرحمه الله - (أردتَ أن تقول الفرس) أي مَحَلّ كلمة زيد (فغلطتَ) أي في ذلك (فأبدلتَ زيداً منه) أي من الفرس فكانت الجملة : رأيت زيداً الفرس .
يتعلق به شيئان :
تعريف المنصوبات بأنها : جمع منصوب من النصْب وسبق .
فهو ذِكْرُ المنصوبات بعد المرفوعات من الأسماء ، لتقدُّم رتبة الرفع على النصْب وسبق .
يتعلق به شيئان :
عَدّ المنصوبات بخمسة عشر ودليله : الاستقراء التام ، ذكره السيوطي في [الهمع] وكذا غيره .
فاستشكالٌ يرِد على عَدّ الْمُصَنِّف لها ، إِذْ إِنَّه عَدّ أربعة عشر منصوباً ، وهو محمولٌ على أحد وجهين :
السهو ، أي أنَّ الْمُصَنِّف سها عن الخامس عشر من المنصوبات ، وهو مفعولا (ظننت وأخواتها) .
أنه لم يسهُ بل ذكر خمسة عشر منصوباً .
فيه عَدٌّ للمنصوبات ، وهي ترجع إلى خمسة أجناس :
وتشمل : 'كان مع أخواتها' و'إن مع أخواتها' وينضاف إليهما 'ظننت وأخواتها'.
وهي : النعت ، والعطف ، والتوكيد ، والبدل .
وهو المستثنى ، والمنادى .
وهو بقية النواصب من الحال ، والتمييز ، واسم (لا) .
يتعلق به شيئان :
إذ هو في اللُّغَة : ما وقع عليه فعل الفاعل .
وأما في الاصطلاح فما قاله الْمُصَنِّف : (الاسم المنصوب الذي يقع به الفعل).
واستُشْكِل قول الْمُصَنِّف (يقع به الفعل) .
وأحسن الأجوبة في ذلك ما ذكره الرَّمْلي في [شرحه] عن بعضهم : أنه وقع في بعض نُسخ الآجروميّة (الاسم المنصوب الذي يقع عليه الفعل) بدلاً عن (به) . وبهذا يَزيلُ الإشكال وتَسْلَم العبارة .
فهو في عِلَّة البدء بالمفعول به في باب المنصوبات حَيْثُ إِن الأولى هو البدء بالمفعول المطلق - الْمُسَمَّى بالمصدر - لأنه هو المفعول حقيقة ، قاله ابن هشام ، والسيوطي في [الهمع] وجماعة .
فيه تمثيل بمثلين على المفعول به :
كلمة (زيداً) في جملة (ضربت زيداً) .
إذ إعرابها :
ضربت : فعل وفاعل .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
كلمة (الفرس) في جملة (ركبت الفرس) .
إذ إعرابها :
ركبت : فعل وفاعل .
الفرس : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
وفي كلا المثالين تتضح القيود الثلاثة في التعريف ، حَيْثُ إِن كلمة (زيداً) و(الفرس) اسمٌ منصوبٌ قد وقع على (زَيْدٍ) فعل الضرب ، ووقع على (الفرس) فعل الركوب .
يتعلق به شيئان :
دليل تقسيم المفعول إلى ظاهر ومضمر هو : الاستقراء التام قاله السيوطي في [الهمع] ، وذكر الأزهري في [التصريح] اتفاق النحاة على ذلك .
يتعلق بمعنى كلمة (ظاهر) ، وكلمة (مضمر) وسبق .
يعني : من المثلين السابقين (ضربت زيداً ، وركبت الفرس) إذ كلمة (زيداً والفرس) دَلَّتا على مُسَمَّاهما دون قَيْد (تكَلُّم) أو (خطاب) أو (غيبة) - وهذا وهو الاسم الظاهر كما سبق -.
سبق التفريق بين الضمائر المتصلة كالياء في (ضربني) ونا في (ضربنا) ونحوهما ، حَيْثُ إِنَّ الضمير المتصل هو : ما لا يصح البدء به ، ولا يأتي بعد (إلاّ) خلافاً للمنفصل فيصح البدء به ومجيئه بعد (إلاّ) .
عَدّها الْمُصَنِّفُ اثنا عشر ، وسبق التدليل على صحة هذا العَدّ .
والضمائر السابقة المتصلة يُقَال فيها : هي مبنية على كذا - بحسب ما سبق- في مَحَلّ نَصْب مفعول به .
مثاله :
ضربكما مُحَمَّدٌ .
فـ(ضرب) : فعل ماضٍ مبني على الفتح ، و(الكاف) ضمير خطاب متصل مبني على الضم في مَحَلّ نَصْب مفعول به ، و(ما) للدلالة على التثنية .
و(مُحَمَّدٌ) : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
سبق التدليل على صحة هذا العدد ، وأهل التحقيق من اللُّغَة يذهبون إلى أن الضمير هو (إيَّا) ، وما اتصل به كان للدلالة على التكَلُّم أو الخطاب أو الغيبة .
مثاله :
(إياي) حَيْثُ إِنها تشمل شيئين :
الضمير المنفصل وهو (إيَّا) .
الضمير المتصل الدال على الْمُتَكَلِّم المفرد وهو (الياء) .
وذهب الجمهور إلى أن كلمة (إياي) و(إيانا) وغيرهما ضمير منفصل في كاملها.
يتعلق به شيئان :
إذ المصدر في اللُّغَة : اسم مفعول من (صَدَرَ) ، ومصدر : الشيء منبعه .
وأما في الاصطلاح فعَرَّفه الْمُصَنِّف بقوله : (هو الاسم المنصوب الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل) .
هو أن هذا الباب يُسَمَّى بالمصدر ، لأنه ثالث تصاريف الفعل ، ويُسَمَّى بالمفعول المطلق ؛ لأنه انتصب في باب المفعولية بلا قَيْد ، كقَيْد : تقدير حرف جر أو نحو ذلك. ويُسَمِّيه بعضهم بالمفعول الحقيقي .
جعل الْمُصَنِّف - يرحمه الله - الفعل أصلاً للكلمات ، والمصدر فرعاً لها ، وذلك بقوله : (يجيء ثالثاً في تصريف الفعل) وهذا هو مذهب الكوفيين .
وذهب البصريون وأهل التحقيق إلى أن المصدر هو الأصل لعلل منها : أن القاعدة النظرية تقول : إن الفرع يشترك مع الأصل ويزيد عليه .
ولا تصح القاعدة هنا إلا بكون المصدر أصلاً للفعل ؛ لأن الفعل يشمل شيئين :
فشارك الفعل : المصدر في الشيء الأول ، وزاد على المصدر في الشيء الثاني.
فيه تمثيلٌ على التعريف السابق إذ المصدر فيها هو كلمة (ضرباً) وهو التصريف الثالث للفعل .
وتعريف المصدر بما سبق هو من باب التقريب المناسب للمبتدئ .
يتعلق به شيئان :
تقسيم المصدر إلى : لفظي ومعنوي ، وهذا الذي عليه جمهور النحاة .
ويُضْبَط بأنه ما اتفق مع فعله في شيئين :
ومَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّف بقوله : (قتلته قتلاً) حَيْثُ إِنَّ المصدر هو : كلمة (قَتْلاً) وقد شارك فعل (قتل) في حروفه - وهي (القاف والتاء واللام) - ومعناه ، وهو: إزهاق نفس.
وإعرابه :
قتل : فعل ماض مبني على السكون ؛ لاتصاله بضمير الرفع . و(التاء) ضميرٌ متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل ، و(الهاء) ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ نَصْب مفعول به .
قتلاً : مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره ، أو يُقَال : قتلاً : مصدر منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره ، أو يُقَال : قتلاً : اسم منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره للمصدرية .
ويُضْبَط بأنه : ما اتفق مع فعله في المعنى فقط .
ومَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّف بقوله (جلستُ قعوداً وقمتُ وقوفاً) إذ المصدر كلمة (قعوداً) و(وقوفاً) في المثالين .
وكلمة (قعوداً) في المثال الأول لا توافق حروف الفعل (جلس) لكن توافق معناه إذ كلمة (قعد) بمعنى كلمة (جلس) ، وكلمة (وقوفاً) لا توافق فعل (قام) في حروفه ، ولكن توافقه في معناه إِذْ إِنَّ كلمة (قام) بمعنى كلمة (وقف) ، ومِنْ ثَمَّ يبين وجه التسمية للقسم الأول بأنه لفظي ، لأنه يوافق فعله في الحروف واللفظ ، خلافاً للثاني فإنه يوافق فعله في المعنى .
لمجيء المصدر فوائد :
مثاله : قَتَلَه قتلاً ، حَيْثُ أكدت فعل القتل بالمصدر (قتلاً).
مثاله : ضربْتُه ضرب الأمير . حَيْثُ بينت نوعية الفعل وهو (الضرب) بأنه كضرب الأمير .
ومثاله : ضربته ضربتين . حَيْثُ بينت عدد وقوع الفعل .
المصدر المعنوي ما الذي نَصَبَهُ ؟ هل هو الفعل الذي يشترك معه في المعنى دون اللفظ ، أم يُقَدَّر له من لفظه فعل ؟
قولان : بالثاني قال الجمهور .
يتعلق به شيئان:
تعريف الظرف لغة : إذ هو الوعاء ، تقول : هذا الإناء ظرفُ الماء أي وعاءه .
وأما اصطلاحاً فذكره الْمُصَنِّف - يرحمه الله - ويأتي .
هو أن ظرف الزمان والمكان يُقَال لهما أَيْضاً : المفعول فيه ، لأن حرف الجر (في) يُقَدَّر معناه في ظرف الزمان والمكان ، ولأن فعل الفاعل قد وقع في زمنٍ يُسَمَّى بظرف الزمان ، أو في مكان يُسَمَّى بظرف المكان .
فيه تعريفٌ لظرف الزمان اصطلاحاً ، حَيْثُ ذكر الْمُصَنِّف فيه قيوداً .
تقدير (في) لفظاً ، وهذا غير مقصود .
تقدير (في) معنى ، وهذا هو المقصود هنا .
مثاله :
زرتُ الليلة زيداً .
كلمة (الليلة) : ظرف زمانٍ منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره ، لأنه يصلح تقدير معنى (في) ، والتقدير زرتُ في زمن الليل زيداً .
فيه ذكر لأمثلة على ظرف الزمان .
كلمة (اليوم) . ويُقْصَدُ به : الزمن الذي أوله طلوع الفجر ، وآخره غروب الشمس .
مثاله :
زرتُ اليوم زيداً .
إعرابه :
زرتُ : فعل وفاعل .
اليوم : ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
وهكذا يكون الإعراب في بقية الكلمات في الأمثلة الآتية .
كلمة (الليلة) ويُقْصَدُ بها : الزمان الذي أوله غروب الشمس وآخره طلوع الفجر .
ومثاله :
زرت الليلة زيداً .
كلمة (غُدْوَة) ويُقْصَدُ بها : اسم زمان في أول اليوم والنهار ، وقيل : هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
وكلمة (غدوة) يأتي على (غينها) المعجمة : الضم والفتح .
مثالها :
ذهبتُ غُدْوَةً إِلى زَيْدٍ .
كلمة : (بُكْرة) ويُقْصَدُ بها : زمانٌ في أول اليوم والنهار ، وقيل هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
ومِنْ ثَمَّ فهو كـ(غُدوة) على قول .
وقيل بل من طلوع الشمس إلى اشتدادها - أي اشتداد الشمس - .
ومثاله :
ذهبتُ بُكْرَةً إلى زَيْدٍ .
كلمة (سحر) ويُقْصَدُ به الزمان الذي في آخر الليل قبل الفجر .
ومثاله :
أكلت سَحَراً تمرات .
كلمة (غداً) ويُقْصَدُ به اليوم الذي يلي ما أنت فيه .
ومثاله :
سآتيك غداً يا زَيْدُ .
كلمة (عَتَمَة) ويُقْصَدُ بها : الثلث الأول من الليل .
ومثالها :
صليت عَتَمَةً صلاة العشاء .
كلمة (صباحاً) ويُقْصَدُ بها : الزمان الذي في الصبح ، وهو بعد طلوع الفجر.
ومثاله :
أكلت صباحاً تمرات.
كلمة (مساءً) ويُقْصَدُ بها : الزمان الذي أوَّله أولُ الظهيرة ، وآخره غروب الشمس ، كذا قال جمهور اللُّغَويين .
ومثالها :
زرت مساءً زيداً .
كلمة (أبداً) ويُقْصَدُ بها : الزمان الذي لا نهاية له . هذا عند إطلاقها ، وعدم تقييدها بنهاية .
ومثالها :
لن أعصي اللَّهَ أبداً .
كلمة (أمداً) ويُقْصَدُ بها : زمنٌ مُنكَّر .
ومثالها :
بقيت أمداً لا أقرأ كتاباً .
كلمة (حيناً) ويقصد بها : زمانٌ مُنكَّر
ومثالها :
بقيتُ حيناً أَندُب أمتي .
أي من الكلمات السابقة الدالة على ظرف زمان ، ومن ذلك كلمة (ساعة ) و(لحظة) ونحوهما .
يتعلَّق به شيئان :
تعريف ظرف المكان اصطلاحاً بقوله : (هو اسم المكان المنصوب بتقدير 'في' ).
وفيه قيود :
ومثال ذلك :
وَقَفْتُ أَمَامَ زَيْدٍ . والتقدير : وَقَفْتُ في مكانٍ أَمَامَ زَيْدٍ .
فيه ذكرٌ لكلماتٍ هي أمثلة على ظرف المكان :
كلمة (أَمَامَ) وهو ما كان في مكان قُبَالَتَك وقُدَّامك وهو ضد : خلف.
ومثالها :
وَقَفْتُ أَمَامَ زَيْدٍ ، إذ كلمة أَمَامَ : ظرف مكان .
إعرابها :
وَقَفْتُ : فعل وفاعل .
أَمَامَ : ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف وزَيْدٍ مضاف إليه مخفوض بالكسرة الظاهرة على آخره .
وهكذا يُقَال في بقية الأمثلة التي تأتي .
كلمة (خلف) ويُقْصَدُ بها : ضد : قُدَّام وأمام وهي بمعنى : وراء .
ومثالها :
وَقَفْتُ خلف زَيْدٍ .
كلمة (قُدَّام) ويُقْصَدُ بها : معنى أمام ، وسبق .
ومثالها :
وَقَفْتُ قُدَّام زَيْدٍ .
كلمة (وراء) ويُقْصَدُ بها : معنى خلف وسبق .
ومثالها :
وَقَفْتُ وراءَ زَيْدٍ .
كلمة : (فوق) ويُقْصَدُ بها : ما كان عالياً ، ضد السُّفْل والانخفاض ، وقيل: (فوق) هو كل ما علا شيئاً قيل له : فوقه .
ومثالها :
وَقَفْتُ فوقَ التَّل ، والتَّل : اسم الْمُرتفِع من الأرض دون الجبل .
كلمة (تحت) ويُقْصَدُ بها : ضد (فوق) وسبق .
ومثالها :
وَقَفْتُ تحتَ ظل شجرةٍ .
كلمة (عند) ويُقْصَدُ بها : معنى (قريب) أو (بجوار) ونحوهما .
ومثالها :
وَقَفْتُ عند الكعبة داعياً .
إعرابها:
عند : ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف ، والكعبة : مضاف إليه .
داعياً : حال منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
كلمة (مع) ويُقْصَدُ بها : معنى المعية المتعلق بمكان ، في نحو قولك (سرتُ مع النجم في ليل بهيم) ، و(مع) هنا حرف ، إنما أدخله الْمُصَنِّف في ظرف المكان بمعنى المعية وهي صفة ظرفية ، في نحو المثال السابق .
كلمة (إزاء) ويُقْصَدُ بها : (مقابل) .
ومثالها :
وَقَفْتُ إزاء زَيْدٍ .
كلمة (حذاء) من حَذا يحذو حِذاءً وحَذْواً ، وله معان منها : (تجاه) و(مقابل) .
ومثالها :
وَقَفْتُ حذاء زَيْدٍ .
كلمة (تلقاء) ويُقْصَدُ بها : معنى (إزاء) وسبق .
ومثالها :
وَقَفْتُ تلقاء زَيْدٍ .
كلمة (ثَمَّ) بفتح الثاء المثلِّثة ، ويُقْصَدُ بها : الإشارة إلى مكان بعيد ، أبعد من الإشارة بكلمة (هنا) .
ومثالها :
ذهبتُ ثَمَّ يا زَيْدُ ، أي في ذلك المكان .
كلمة (هُنا) بضم الهاء ، ويُقْصَدُ بها : الإشارة إلى مكان قريب .
ومثالها :
وَقَفْتُ هُنا يا زَيْدُ .
أي من الأمثلة السابقة الدالة على الظرفيّة المكانيّة .
ومن ذلك : كلمة (شمال) و(يمين) .
مثالها :
وَقَفْتُ شمال زَيْدٍ أو يمين زَيْدٍ .
إعرابها :
وَقَفْتُ : فعل وفاعل .
شمال : ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره ، وكذلك يمين ، وشمال ويمين مضاف ، وزَيْدٍ مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة على آخره .
يتعلق به شيئان :
تعريفه لغة ؛ إذ الحال : الصفة والهيئة والبال ، ومنه قوله تعالى ( وأصلح بالهم) أي حالهم .
الحال تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ ، فيُقَال : هذا حال ، وهذه حال ، وتأنيثها أفصح .
وقد يأتي لفظها مؤنثاً ، وهو (حالة) في آخره تاء التأنيث المتحرِّكة .
يتعلق به شيئان :
تعريف الحال اصطلاحاً بقوله: (هو الاسم المنصوب الْمُفَسِّر لما انبهم الهيئات).
وفيه قيود :
معنى كلمة (انبهم) أي خَفِيَ ، ويُقَال : استغلق واستبهم .
وانتقد هذا اللفظ على الْمُصَنِّف لأنه لا يُعرَف في اللسان العربي ، وكان الأولى أن يُقَال : استبهم ونحو ذلك .
وكلمة الهيئات واحدها : هيئة وهي الحالة والصفة المتعلِّقة بذات عاقلٍ وغيره ، كالغضب والركض والمشي ، وغيرها من الصفات .
فيه ذكر أمثلة :
جاء زَيْدٌ راكباً ، كلمة (راكباً ) هي الحال .
إعرابه :
جاء زَيْدٌ : فعل وفاعل .
راكباً : حال منصوبة بالفتحة الظاهرة على آخره .
ركبتُ الفرس مُسْرَجاً . كلمة (مُسْرَجاً) هي الحال ، من قولهم : أسرج الفرس . إذا وضع عليها السَّرْج ، وهو اسم شيءٍ يوضَع على ظهر الفرس ليجلس عليه راكب الفرس .
إعرابه :
ركبت : فعل وفاعل .
الفرس : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
مُسْرَجاً : حال منصوبة بالفتحة الظاهرة على آخره .
لقيتُ عبد الله راكباً ، كلمة (راكباً) هي الحال ، وهي تحتمل هنا أن تعود على (التاء) في (لقيتُ) والمعنى أن الفاعل هو الذي كان راكباً ، وتحتمل أن تعود على (عبد الله) والمعنى أن المفعول به - وهو عبد الله - هو الذي كان راكباً .
إعرابه :
لقيت : فعل وفاعل .
عبد الله : عبد مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه مخفوض بالكسرة الظاهرة على آخره .
راكباً : حال منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
فيه إشارة إلى صفات تتعلق بالحال ناسب المبتدئ أن تذكر له :
أن الحال لا يكون إلا نكرة ، هذا في الأصل ، فكلمة (مُسْرَجاً) في قولك (ركبت الفرس مُسْرَجاً) نكرة لأنها لَيْسَتْ من المعارف وسبقت - أي المعارف.
كون الحال فَضْلَة ، ومعنى كلمة (فَضْلَة) أي أنه يجوز أن يُستغنى عنه في الكلام .
كلمة (مُسْرَجاً) في قولك : (ركبت الفرس مُسْرَجاً) ، يجوز أن تستغني عنها فتقول : ركبت الفرس .
إشارة إلى هذه الصفة ، وهي صفة كونه (فَضْلَة) وتمام الكلام يعني : ما تم الكلام به كالفاعل للفعل والخبر للمبتدأ ونحوهما .
كون صاحب الحال معرفة ، وسبق معنى المعرفة وأنواعها وذلك لأن الحال نكرة أُرجع إلى ذات عاقلة أو غير عاقلة أي سواء أكانت عاقلة أم غير عاقلة .
يتعلق به شيئان :
تعريفه لغة : إذ هو من ميَّز الشيء تمييزاً إذا فصله عن غيره .
تعريفه اصطلاحاً بقوله : هو الاسم المنصوب الْمُفَسِّر لما انبهم من الذوات .
وفيه قيود :
وسبق معنى كلمة (انبهم) وما يتعلق بها .
والذوات جمع (ذات) وهي أنثى ذو ، وذات الشيء حقيقته ، ويُقَال : هي العين الشاخصة .
وبهذا يتبين الفرق بين التمييز والحال ، لأن التمييز يُفَسِّر ما خَفِيَ من الذوات. والحال يُفسِّر ما خفي من هيئات الذوات .
فيه ذكر لأمثلة :
تَصَبَّبَ زَيْدٌ عرقاً ، إذ التمييز فيه هو كلمة (عرقاً) .
إعرابه :
تَصَبَّبَ : فعل .
وزَيْدٌ : فاعله .
عرقاً : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
تَفَقَّأ بكرٌ شحماً ، إذ التمييز كلمة (شحماً) .
إعرابه :
تَفَقَّأ بكر : فعل وفاعل .
وشحماً : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
طاب مُحَمَّدٌ نفساً ، إذ التمييز كلمة (نفساً) .
إعرابه :
طاب مُحَمَّدٌ : فعل وفاعل .
نفساً : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
اشتريت عشرين غلاماً . إذ التمييز كلمة (غلاماً) .
إعرابه :
اشتريت : فعل وفاعل .
عشرين : مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والنون فيه عوض عن التنوين في الاسم المفرد .
غلاماً : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
ملكت تسعين نعجة ، إذ التمييز كلمة (نعجة) .
إعرابه :
ملكت : فعل وفاعل .
تسعين : مفعول به .
نعجة : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
زَيْدٌ أكرم منك أباً . إذ التمييز كلمة (أباً) .
إعرابه :
زَيْدٌ : مبتدأ .
أكرم : خبر .
منك : جار ومجرور .
أباً : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
زَيْدٌ أجمل منك وجهاً . إذ التمييز كلمة (وجهاً) .
إعرابه :
زَيْدٌ : مبتدأ .
أجملُ : خبره .
منك : جار ومجرور .
وجهاً : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
فيه ذكر صفتين تتعلقان بالتمييز :
كون التمييز نكرة .
إذ التمييز في الأمثلة السبعة السابقة لَيْسَ معرفة وسبقت المعارف بل هو نكرة .
كون التمييز فَضْلَة ، وهو ما يصح الاستغناء عنه ويحصل تمام الكلام بدونه وإِلَيْهِ أشار الْمُصَنِّف بقوله : (بعد تمام الكلام) .
ومعنى تمام الكلام أي ما يتم أصل الكلام به من الفاعل للفعل والخبر للمبتدأ ونحوهما .
يتعلق به شيئان :
تعريفه لغة ، إذ هو بمعنى الإخراج ، تقول : استثنيت كذا مما معي إذا أخرجته .
تعريفه اصطلاحاً : وللنحاة فيه عبارات منها : كل اسم جاء بعد إلا وأخواتها .
مثاله :
قام القوم إلا زيداً .
فالمستثنى هو كلمة (زيداً) والمستثنى منه هو كلمة (القوم) وأداة الاستثناء (إلا) .
يتعلق به شيئان :
فَيهِ حَصْرٌ لأدوات الاستثناء بثمانية والجمهور على خلافه ، إذ يزيدون على ذلك بـ (لَيْسَ) و(لا يكون) .
وفي كلمة (حاشا) ثلاث لغات :
جعله أدوات الاستثناء حروفاً بقوله : (حروف الاستثناء) ولَيْسَ الأمر كذلك بل هي أقسام :
ما هو حرف باتفاق ، وهو (إلاَّ) ويكون مبنياً على الفتح لا غير .
ما هو فعل باتفاق ، وهو (لَيْسَ) .
ما هو اسم باتفاق ، وهو (غير) و(سوى بلغاتها) .
وقد ذكر الْمُصَنِّف ثلاث لغات فيها :
وينضاف إليها لغة رابعة : وهي سِواء على وزن بِناء .
فيه ذكر لأحكام المستثنى بعد (إلا) وأخواتها وحاصله يرجع إلى أحكام :
أن يكون المستثنى مجروراً مطلقاً ويكون إعرابه حينئذ مضافاً إليه ، وذلك في حالتين :
إذا جاء بعد كلمة (غير) .
مثاله : جاء القوم غير زَيْدٍ . فكلمة (زَيْدٍ) مستثنى .
إعرابه :
جاء القوم : فعل وفاعل .
غير : اسم منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره للاستثناء وهو مضاف ، وكلمة (زَيْدٍ) مضاف إليه مخفوض بالكسرة الظاهرة على آخره .
إذا جاء بعد كلمة سوى ولغاتها .
ومثاله : جاء القوم سوى زيد ، إذ المستثنى كلمة زيد .
إعرابه :
جاء القوم : فعل وفاعل .
سِوى : اسم منصوب بالفتحة الْمُقَدَّرَة للتعذر ، وذلك للاستثناء ، وهو مضاف ، وكلمة (زَيْدٍ) مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة على آخره.
كلمة (غير وسوى ولغاتها) آخر حرف فيها يعرب إعراب المستثنى بعد (إلا) ويأتي .
ما يعرب تارة اسماً مجروراً وتارة مفعولاً منصوباً وذلك في حالتين :
إذا دخل على المستثنى فعل خلا أو عدا أو حاشا ولغاتها . لكن مع اقتران (ما) المصدرية بتلك الأفعال أي (ما خلا ما عدا ما حاشا) والمستثنى بعدها لا يكون إلا منصوباً على المفعولية لأنها أفعال ماضية فاعلها ضمير مستتر مُقَدَّر ، ومفعولها هو المستثنى .
مثال ذلك : جاء القوم ما حاشا زيداً ما خلا زيداً ما عدا زيداً .
إعرابه :
جاء القوم : فعل وفاعل .
ما المصدرية : مبنية على السكون أو الفتح على قول في مَحَلّ رَفْع مبتدأ .
خلا وحاشا وعدا : أفعال ماضية مبنية على السكون . وقيل على الفتح . والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره ، والجملة الفعلية (خلا زيداً حاشا زيداً عدا زيداً) في مَحَلّ رَفْع خبر المبتدأ .
ما جاز فيه النصْب والجر . وذلك إذا لم يأتِ مع خلا وعدا وحاشا ما المصدرية ، فيجوز وجهان :
أولهما :
الجر للمستثنى ، إذ تكون تلك الأفعال حروف جر كـ(إلى ومن) ونحوهما.
مثاله :
جاء القوم عدا زيدٍ خلا زَيْدٍٍ حاشا زَيْدٍ .
إعرابه :
جاء القوم : فعل وفاعل .
حاشا ، عدا ، خلا : حرف جر مبني على السكون أو الفتح على قول .
زَيْدٍ : اسم مجرور بالكسرة الظاهرة على آخره .
والثاني :
النصْب على المفعوليّة ، فتكون الأفعال وهي خلا وعدا وحاشا فعلاً ماضياً لها فاعل مُقَدَّر مستتر ، والمستثنى مفعولٌ لها .
مثاله :
جاء القوم عدا زيداً خلا زيداً حاشا زيداً .
إعرابه :
جاء القوم : فعل وفاعل .
عدا ، خلا ، حاشا : فعل ماضٍ مبني على الفتح أو السكون ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
حكم المستثنى بعد إلا وهو على أحوال :
إذا كان الكلام تاماً موجباً . معنى قول النحاة (تاماً) أي ذكر فيه المستثنى منه وهو كلمة القوم في قولك : جاء القوم إلا مُحَمَّداً .
ومعنى قولهم (موجَباً) - بفتح الجيم - أي مثبتاً ، وضد المثبت ثلاثة أشياء : النهي والنفي والاستفهام ، ويدخل في النهي الدعاء .
ومثال المثبت :
(جاء القوم إلا زيداً) . حَيْثُ لم يدخل على الجملة قبل (إلاَّ) لا نهي ولا نفي ولا دعاء ولا استفهام فكان مثبتاً . وحكم المستثنى بعد (إلا) في هذه الحالة : أن يكون منصوباً .
مثاله :
جاء القوم إلا زيداً .
إعرابه :
جاء القوم : فعل وفاعل .
إلا : حرف استثناء مبني على الفتح .
زيداً : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
أن يكون الكلام تاماً لكنه غير مثبت كالمنفي فيجوز فيه حكمان :
الأول : النصْب على الاستثناء كالحالة السابقة .
مثاله :
ما جاء القوم إلا زيداً . وكذلك : لم يأتِ القوم إلا زيداً .
فإعراب الثانية :
لم : لم حرف جزم مبني على السكون .
يأت : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العِلَّة .
القوم : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
إلا : حرف استثناء مبني على الفتح .
زيداً : مستثنى منصوب وعلامة نصْبه الفتحة الظاهرة على آخره .
والثاني : البدل :
وذلك بأن يكون بدلاً من المستثنى منه فيأخذ حكمه رَفْعاً أو نصْباً أو خفضاً.
مثاله :
لم يأتِ القوم إلا زيدٌ .
إعرابه :
كسابقه إلا أن كلمة (زَيْدٌ) : مرفوعة لأنه بدل من كلمة (القوم) .
أن يكون الكلام ناقصاً سواء أكان منفياً أو مثبتاً ، ومعنى قول النحاة (ناقصاً) أي أن المستثنى منه محذوف وهو كلمة (القوم) في قولك : (ما جاء القوم إلا زيداً) حَيْثُ تحذف فتقول : (ما جاء إلا زَيْدٌ) ، وحكمها هو بحسب موقعها من الإعراب كأن (إلاَّ) غير موجودة .
مثاله :
ما قام إلا زَيْدٌ .
زَيْدٌ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره لأنه هو الذي قام .
وكقولك : ما مررت إلا بزَيْدٍ .
بزَيْدٍ : جار ومجرور .
وكقولك : ما رأيت إلا زيداً .
زيداً : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
هذه الحالة الثالثة يُسَمِّيها النحاة بالاستثناء المفرَّغ ، وسبب التسمية أن المستثنى فرِّغ من عامل الاستثناء ، ولذا أُعرب بحسب موقعه من الإعراب . وقيل : بل فرغ ما قبل (إلا) للعمل فيما بعد (إلا) .
وينضاف إلى الحالة الثالثة حالة لم يذكرها الْمُصَنِّف - يرحمه الله - وهي ما يُسَمِّيه النحاة بالاستثناء المنقطع ، ومعنى قولهم (الاستثناء المنقطع) أن يكون المستثنى لَيْسَ من المستثنى منه بل هو منقطع عنه منفصل عنه .
جاء القوم إلا حماراً . إذ كلمة (حماراً) لَيْسَتْ من المستثنى منه لأن المستثنى منه من بني آدم ، والمستثنى من البهائم ، وحكم هذه الحالة هو نَصْب المستثنى دوماً .
جاء القوم إلا حماراً .
أو : ما جاء القوم إلا حماراً .
إعرابه :
كما سبق ، وكلمة (حماراً) مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
يتعلق به شيئان :
يُقْصَدُ بـ (لا) هنا لا النافية للجنس - وسبق معنى اسم الجنس - وهو ما كان شائعاً غير مُعَيَّنٍ في جنسه كرجل ونحوه .
يتعلق بحكم (لا) وهو أن (لا) قسمان :
لا الزائدة كقوله تعالى في [الأعراف] : ] ما منعك ألا تسجد [ ودَلَّ على أنها زائدة قوله تعالى في [ص] إذ فيها ] أن تسجد [ والزائدة كعدم وجودها .
فـ (لا) غير الزائدة وهي نوعان :
لا غير النافية كالناهية والدعائية كقولك : لا تخرجْ يا مُحَمَّدُ . وهذه غير مقصودة في باب (لا) .
لا النافية ولها حالان
الحال الأولى :
أن تكون غير عاملة ، وهذه غير مقصودة في باب لا .
والحال الثانية :
أن تكون عاملة ، وعملها على جهتين :
يتعلق به شيئان :
حكم (لا) في باب (لا) ، وهو كحكم (إنَّ) عند دخولها على الجمل الاسمية لكن تخالفها في أنها لا تدخل على معرفة أي (لا) .
ذكر شروط تتعلق بباب (لا) :
كقولك : لا في الدار رجلٌ . فقد فصل بين (لا) وكلمة (رجل) بالجار والمجرور ولذا كانت (لا) غير عاملة . فرُفِعَت كلمة (رجل) .
مثاله : لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ . فيجوز أن تنصب كلمة (رجل) وكلمة (امرأة) وذلك عند إعمال لا عمل (إنَّ) ويجوز أن تلغي (لا) فترفع كلمة (رجل) وكلمة (امرأة) .
ومثال باب (لا) الذي توفرت فيه الشروط :
قولك : لا رجلَ في الدار .
فكلمة (لا) : حرف مبني على الفتح أو السكون .
رجلَ : مبني على الفتح في مَحَلّ نَصْب اسم لا .
في الدارِ : جار ومجرور في مَحَلّ رَفْع خبر (لا) .
يتعلق به شيئان :
تعريف المنادى لغة ؛ إذ المنادَى - بفتح الدال المهملة مع ألف مقصورة بعدها -من النداء وهو الطلب . تقول : ناديتُ زيداً إذا طلبته .
تعريف المنادى اصطلاحاً وهو : كل اسم وقع عليه الطلب بحرف (يا) أو أحد حروف النداء .
مثاله :
يا زَيْدُ قم .
فكلمة (زَيْد) : منادى لأن الطلب وقع عليه ، وكان بحرف نداء وهو (يا) .
يتعلق به شيئان :
حَصْر المنادى في أنواع خمسة ، وعلى هذا جمهور النحاة ، ودليله الاستقراء قاله السيوطي في [الهمع] .
فيه تعداد الأنواع الخمسة :
المفرد العَلَم وسبق معنى العَلَم ، وهو كل اسم دَلَّ على مُعَيَّنٍ . والمفرد ضده الجملة وشبه الجملة .
فمن المفرد قولك : (يا زيدان يا زيدون يا مسلمون أفيقوا) ونحو ذلك .
النكرة المقصودة ، سبق معنى النكرة ، أما كلمة (المقصودة) أي ما قصدت من قبل المنادِي - بكسر الدال المهملة - .
مثاله :
يا رجلُ . فكلمة (رجل) : نكرة ، ولكنها قصدت في الخطاب السابق ومعرفة كونها مقصودة بمقتضى القرائن اللفظية أو الحالية .
النكرة غير المقصودة وهي عكس ما سبق .
ومثالها :
يا رجلاً في الدار .
المضاف ، وسبق معناه .
ومثاله :
يا عبدَ الله . (عبد) : مضاف ، وعليه وقع النداء .
المشبه بالمضاف ، أي ما كانت صورته صورة مضاف ولَيْسَ مضافاً حقيقة .
مثاله :
يا حسناً خلقه . فكلمة (حسناً) كأنها تفتقر إلى ما بعدها . افتقار عبد إلى ما بعدها في قولك : يا عبدَ الله .
فيه ذكر لحكم المنادى ، وهو أن المنادى له حكمان :
البناء على الضم ، وذلك في حالتين :
المفرد العَلَم .
مثاله :
يا إبراهيمُ أقبل .
إعرابه :
يا : حرف نداء مبني على الفتح أو السكون .
إبراهيمُ : منادى مبني على الضم .
أقبل : فعل أمر مبني على السكون . والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقريره أنت.
النكرة المقصودة .
كقولك لشخص تقصده تنظر إليه وتشير إليه تقول : يا رجلُ أقبل .
إعرابه : كسابقه سِيَّان .
فهو النصْب ، وذلك في أحوال ثلاثة :
مثاله : يا عبد الله أقبل .
يا : حرف نداء مبني على الفتح أو السكون .
عبد : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف ، ولفظ الجلالة مضاف إليه .
أقبل : فعل أمر مبني على السكون . فاعله مستتر تقديره أنت .
ومثاله : يا حسناً وجهه .
إعرابه :
يا : حرف نداء مبني على الفتح أو السكون .
حسناً : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
وجهه : مضاف ومضاف إليه في مَحَلّ رَفْع خبر أو مبتدأ .
ومثاله : يا رجلاً في الدار .
إعرابه :
يا : حرف نداء مبني على الفتح أو السكون .
رجلاً : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
في الدار : جار ومجرور .
استُنكِر على الْمُصَنِّف - يرحمه الله - قوله : (فيبنيان على الضم من غير تنوين) ، لأن كلمة (من غير تنوين) يُغني عنها كلمة (يُبنيان) . لأن البناء لا يدخله التنوين .
يتعلق به شيئان :
يتعلق بلقبه حَيْثُ يلقب بالمفعول من أجله والمفعول لأجله والمفعول له .
في تعريفه حَيْثُ ذكره الْمُصَنِّف بقوله : (الاسم المنصوب الذي يذكر بياناً لسبب وقوع الفعل) .
وفيه قيود .
مثاله :
قام زَيْدٌ إجلالاً لعَمْرٍو . فكلمة (إجلالاً) مفعولٌ لأجله .
إعرابه :
إجلالاً : مفعول لأجله مجرور .
لعَمْرٍو : جار ومجرور .
مثال آخر :
قصدتك ابتغاءَ معروفك . كلمة (ابتغاء) مفعول لأجله .
إعرابه :
قصد : فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع ، والتاء ضمير متصل مبني على الضم في مَحَلّ رَفْع فاعل ، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في مَحَلّ نَصْب مفعول به .
ابتغاء : مفعول لأجله أو مفعول له أو مفعول من أجله منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره ، وهو مضاف .
ومعروف : مضاف والضمير المتصل في مَحَلّ خفض مضاف إليه .
المفعول لأجله لا يكون إلا قلبياً يعني من أفعال القلوب وعِلَل القلوب .
يتعلق به شيئان :
يتعلق بتعريفه ، وهو ما ذكره الْمُصَنِّف بقوله : (الاسم المنصوب الذي يُذكر لبيان من فُعل معه الفعل) .
وفيه قيود :
ومثاله :
جاء الأميرُ والجيشَ . إذ كلمة (الجيش) مفعول معه لوجود القيود السابقة فيه .
قول الْمُصَنِّف : (نحو قولك : جاء الأميرُ والجيشَ ، واستوى الماء والخشبةَ) فيه ذكر مثالين :
جاء الأمير والجيشَ ، إذ كلمة (الجيش) مفعول معه .
إعرابه :
جاء الأميرُ : فعل وفاعل .
والواو : حرف يدل على المعية .
الجيشَ : مفعول معه منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
استوى الماءُ والخشبةَ . إذ كلمة (الخشبة) مفعول معه .
إعرابه :
استوى الماء : فعل وفاعل .
الواو : حرف يدل على المعية .
الخشبةَ : مفعول معه منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره .
كلمة (الجيش) و(الخشبة) إذا ذُكِرَت لا لبيان من فُعِلَ معه الفعل كانت معطوفة على ما سبقها آخذةً حُكمه ، و(الواو) يكون حرف عطف .
مثاله :
جاء الأميرُ والجيشُ . أي جاء الأميرُ وجاء الجيشُ وسبق باب العطف .
حاصله : الإشارة إلى أن بقية الأسماء المنصوبة قد سبق الكلام عنها سواء أكانت من النواسخ كـ(كان وأخواتها) ، و(إنَّ وأخواتها) ، و(ظَنَّ وأخواتها) ، أم كانت من التوابع كالنعت والعطف وما إلى ذلك .
يتعلق به شيئان :
تعريفها لغة ؛ إذ هي مأخوذة من الخفض وهو ضد الارتفاع ، تقول : هذا مكان منخفض أي غير مرتفع وفيه سُفْل .
في قول الْمُصَنِّف : (مخفوضات الأسماء) دلالة على أن الخفض خاص بالأسماء وسبق .
يتعلق به شيئان :
تعيينه المخفوضات بأنها ثلاثة . ودليله الاستقراء كما قاله ابن هشام وغيره ، إلا أن بعضهم زاد قسماً رابعاً ، وهو المخفوض بالمجاورة ، ويمثلون له بقول القائل: (هذا جحرُ ضبٍّ خَرِبٍ) . فكلمة (خَرِب) مجرورة بالكسرة الظاهرة على آخرها لمجاورتها لما خفض بالإضافة وهو المضاف إليه .
إلا أن الجمهور من النحاة على أن كلمة (خرب) صفة فهي داخلة في التوابع .
ذكره للأقسام الثلاثة :
المخفوض بالحرف أي بحروف الجر وسبقت . وتأتي .
المخفوض بالإضافة ، أي عِلَّة خفضه الإضافة .
ومثاله :
كلمة (ضب) في قولك : (هذا جُحرُ ضبٍّ) ، لأن كلمة (جحر) مضاف و(ضب) مضاف إليه .
وليُعْلم أن الإضافة لا تجتمع مع شيئين :
المخفوض بالتبعية ، وسبقت التوابع الخمسة من النعت والعطف والبدل وغيرها ولذا لم يذكرها الْمُصَنِّف بعد ذلك تفصيلاً واقتصر على تفصيل الكلام فيما يتعلق بالقسمين الأولين .
فيه ذكر للقسم الأول وهو المخفوض بحرف الجر وسبقت حروف الجر ذكراً وأعادها الْمُصَنِّف هنا للمناسبة .
كقولك : ذهبتُ من البيت إلى المدرسة ، أي كان ابتداء ذهابك البيت .
كقولك : ذهبتُ من البيت إلى المدرسة ، أي كان غاية ذهابك المدرسة .
تقول : ذهبت عن المكان بعيداً . إذا جاوزته ذاهباً .
تقول : كنت على الفرس واقفاً ، أي عالياً فوقه .
كقولك : في المسجد مصاحفُ عِدَّة . فدلَّ على أنَّ المسجد ظرف مكان للمصاحف .
كقولك : رُبَّ مجتهد أخفق . تُقلِّل إخفاقه .
كقولك : أخذت بالكتاب واضعاً إياه أمامي ، إذا حصل التصاق يدك به.
كقولك : عَمْرٌو كزَيْدٍ قوةً ، إذا شبهته به .
مثال الاختصاص : كقولك : هذا المفتاح لهذا الباب . أي يخصه .
ومثال الْمِلكية : قولك : الكتاب لِزَيْدٍ ، أي مُلكاً ومِلكيّة .
كقولك :تاللهِ لأجتهدنَّ في العلم حتى أبلغ ذراه .
وقولك : باللهِ يا زَيْدُ أعطني الدواة لأكتب العلم .
وكقولك : واللهِ ليَريَن الله مني خيراً في ميدان العلم .
كقول امرئ القيس : (وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سُدُولَه ) أي ورُبَّ ليلٍ ، فالواو تدل على رُبَّ وهي مُقَدَّرة بعدها . ولذلك قيل واو رُبَّ .
مثاله :
مُذْ يومٍ لم أطعم لحماً ، وكقولك : منذ سنةٍ لم أقرأ كتاباً .
يتعلق به شيئان :
ذكر القسم الثاني وهو المخفوض بالإضافة وذكر الْمُصَنِّف عليه مثالاً وهو (غلام زَيْدٍ) .
إعرابه :
غلام : مضاف مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره .
وزَيْدٍ : مضاف إليه مخفوض بالكسرة الظاهرة على آخره . وجملة (غلام زَيْدٍ) في مَحَلّ رَفْع خبر لمبتدأ تقديره (هذا) .
فهو ذكر قسمين للمخفوض بالإضافة :
ما يُقَدَّر باللام ويدل على أحد معنيين : الاختصاص أو المِلكية وسبقا . وتقديره في جملة (غلام زَيْدٍ) أي غلام لِزَيْدٍ اختصاصاً أو ملكيةً .
فما يُقَدَّر بـ(مِنْ) وهي بمعنى التبعيض هنا ، وضابطه هو أن يكون المضاف جزءاً من المضاف إليه .
مثاله :
(هذا ثوبُ خَزٍّ ) ، إِذْ التقدير : (هذا ثوبٌ من خزٍّ ) ، والخز نوع من أنواع الثياب وكذلك قوله : (خاتم حديد) ، إذ الخاتم نوع من أنواع الحديد هنا .
وإلى ما سبق أشار الْمُصَنِّفُ بقوله : (فالذي يُقَدَّر باللام …الخ) .
وينضاف إلى القسمين السابقين قسماً ثالثاً تُقَدَّر فيه (في) المتعلقة بالمتعلقة بالظرفية وسبق التمثيل عليها . وذهب جماعة من النحاة إلى الاقتصار على القسمين السابقين لصلاحية الاستغناء بهما عن (في) .
وبهذا نكون قد انـتهينا من شرح متن الآجرومية ، نسأله سبحانه التوفيق والسداد ، وصل اللهم وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .